تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(مُجِلاًّ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مُبَجِّلا) هذه الأوصاف التي أعطانا إياها الإمام -رحمه الله- لصحاب القرآن الكريم مُجِلا للقرآن، ويكون الإجلال له والتعظيم والتبجيل إنما يكون كما وصف لنا بعض سلف هذه الأمة: أن حامل القرآن حامل راية الإسلام، فلا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، وأن يترفع عن محقرات الأمور، وأن يعظم القرآن الذي في صدره.

فِي كُلِّ حَالٍ: فحال صاحب القرآن مع القرآن هي حال القرآن في الحقيقة.

بعد هذا الخطاب وهذه الأوصاف التي طلب الناظم -رحمه الله- من صاحب القرآن أن يتحلى بها، أعطاه بعد ذلك وهنأه المقام والقربى من الله سبحانه وتعالى:

(16)

هَنِيئاً مَرِيئاً وَالِدَاكَ عَلَيْهِما ... مَلاَبِسُ أَنْوَأرٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاْ

(هَنِيئاً مَرِيئاً) هنا وصفان، العلماء قالوا: إما أن يكون منصوبات على المفعولية (صادفت هنيئا مريئا وخيرا كثيرا)، وإما أن يكون على الحالية (حال كونك هنيئا مريئا).

قد يكونان صفتان لمصدر مقدر.

أي أن الله سبحانه يُهنيه ويعيش عيشة كريمة، والتي فيها الكمال البشري.

ثم بعد ذلك يقول له أن هذا الخير لا يبقى عندك وحدك، بل يتعدى لوالديك:

(وَالِدَاكَ عَلَيْهِما مَلاَبِسُ أَنْوَأرٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاْ) وهذا يتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أبو داود -رحمه الله-: [من قرأ القرآن وعمل بما فيه أُلْبِس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي يعمل بهذا].

(17)

فَما ظَنُّكُمْ بالنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ ... أُولئِكَ أَهْلُ اللهِ والصَّفَوَةُ المَلاَ

(فَما ظَنُّكُمْ بالنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ) أخذ اللفظة النبوية، أي إذا كان الوالدان هذا شأنهما، ولذلك في بعض الآثار الأخرى يقول: (ويكسيان حلة لا تقوم لها الدنيا فيقولان: يا رب بما كُسينا هذا؟ فيقول جل جلاله: بأخذ ولدكما القرآن)، فهذا التكريم لذلك اليوم للوالدين بسبب أخذ الولد للقرآن، أما الولد فحدث ولا حرج والأحاديث جاءت مبينة لمقامه.

فَما ظَنُّكُمْ: هذا استفهام للتعظيم، أي ما تظنون هذا الظن العظيم الكبير في هذا الإنسان.

قال رسولنا صلى الله عليه وسلم مبينا لجزاء هذا النجل: [يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتله في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها]، وفي رواية: [فهو في رقي ما دام في تلاوة].

ثم أعطاه الوصف العظيم:

(أُولئِكَ أَهْلُ اللهِ والصَّفَوَةُ المَلاَ) أعطاهم وصفان:

1 - أَهْلُ اللهِ: وهذا في الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم الذي ورد: [إن لله أهلين من الناس] قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: [أهل القرآن هم أهل الله وخاصته].

2 - الصَّفَوَةُ المَلاَ: مستدلا من خلال حديث للنبي صلى الله عليه وسلم وهو القائل: [خيركم من تعلم القرآن وعلمه]، وفي الحديث الآخر: [أشراف أمتي حملة القرآن]، وفي رواية: [أشرف أمتي حملة القرآن].

(18)

أُولُو الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ وَالتُّقَى ... حُلاَهُمُ بِهَا جَاءَ الْقُرَانُ مُفَصَِّلاَ

هنا استمر في الحديث عن أهل القرآن الكريم في أوصافهم التي أرادها وبينها:

الْبِرِّ: حسن الخلق.

الْإِحْسَانِ: إحسان للغير.

فصاحب القرآن صاحب الخلق الحسن، وصاحب بر بغيره.

الصَّبْر: بأنواعه: الصبر على المصائب والطاعات وعن المعاصي.

بلا شك أن الإنسان لا ينال درجة صاحب القرآن العلم بما فيه إلا إذا صَبَّر نفسه على طاعة الله عز وجل، قال تعالى: ? وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ? [الكهف:28]، وقال أيضا: ? وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ? [مريم:132] وهنا " اصْطَبِرْ " وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أي تبلغ في الصبر وبالغ فيه.

التُّقَى: تقوى الله سبحانه وتعالى، أن يراك الله تعالى حيث أمرك، وأن يفقدك حيث نهاك.

والتقوى أساس الأمر عند الإنسان.

حُلاَهُمُ: الحُلى جمع حلية، في الأصل ما يتحلى به الإنسان من الزينة، فملا كانت الأخلاق العظيمة بمثابة الحُلى من الجسد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير