يعني ما يتحلون به من الأخلاق الفاضلة العظيمة الرزينة الرائعة موجودة مبثوثة في كتاب الله سبحانه وتعالى قال تعالى: ? ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ? [فاطر:32]، أيضا: ? وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ? [فاطر:34]، وقال تعالى: ? إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ? وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ? [الإسراء:9 - 10].
الْقُرَانُ: هنا نقل الهمزة للراء على قراءة ابن كثير -رحمه الله- حتى لا ينكسر البيت.
مُفَصَِّلاَ: هي أدق من " مفصَّلا " وإن كان بعضهم يذكر قضية فتح الصاد، إلا أن كسر الصاد كون القرآن جاء مفصِّلا له.
أي مبينا لهذه الصفات العظيمة وموضحا لها.
(19)
عَلَيْكَ بِهَا مَا عِشْتَ فِيهَا مُنَافِساً ... وَبِعْ نَفْسَكَ الدُّنْيَا بِأَنْفَاسِهَا الْعُلاَ
عَلَيْكَ بِهَا: أي عليك بهذه الأوصاف يا حافظ القرآن، إلزم بها.
عليك: إسم فعل بمعنى إلزم بهذه الأوصاف.
الهاء: الضمير عائد على الصفة.
مَا عِشْتَ: طول حياتك.
فِيهَا: أي في هذه الدنيا.
لذا قالوا في هذا البيت مقابلة.
مُنَافِساً: غيرك في أعمال الخير بحيث تكون أنت ترقى في الدرجات العلا، قال تعالى: ? خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ? [المطففين:26]، وهناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم: [لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله قرآنا فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ... ].
وركز هنا على كلمة " منافسا " أي لا يسبقنك إلى الله أحد، فاسبق واستبق وسارع، ولذلك جاء في الآيات القرآنية الحث في هذا: ? وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ? [آل عمران:133]، وقال: ? سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ? [الحديد:21].
(وَبِعْ نَفْسَكَ الدُّنْيَا بِأَنْفَاسِهَا الْعُلاَ) هذه المقابلة العجيبة يذكرها الغمام الشاطبي -رحمه الله-.
الدُّنْيَا: وصف للنفس.
أي هذه النفس الخسيسة بعها.
بِأَنْفَاسِهَا الْعُلاَ: هذه الأنفاس العظيمة، وهذه الأخلاق الفاضلة، وهذه الهمة العالية لتكن هي التي بين جنبيك، ولا تكن نفسك الضعيفة الخبيثة الخسيسة.
وارق بنفسك لتكون مع هذه الأنفاس العظيمة العالية حتى ترق بنفسك فتتأدب بأدب القرآن وتتحلى بحُلا القرآن.
هنا بداية الحديث عن الأئمة السبعة بعد أن فرغ الناظم من الحديث عن صاحب القرآن وعن عوام أهل القرآن، بدأ الحديث عن خواصهم وهم الذين وُجِدت الشاطبية للحديث عن قراءاتهم، وهذا كما يقال: الخاص بعد العام.
(20)
جَزَى اللهُ بِالْخَيْرَاتِ عَنَّا أَئِمَّةً ... لَنَا نَقَلُوا القُرْآنَ عَذْباً وَسَلْسَلاَ
جَزَى اللهُ بِالْخَيْرَاتِ عَنَّا: أي جزاهم الله خيرا، وخير معروف أسداه لنا وللأمة الإسلامية هؤلاء القراء هو نقلهم لنا القرآن غضا طريا كما نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
أَئِمَّةً: أي الأئمة السبعة الذين نقلوا القرآن لنا.
لَنَا نَقَلُوا القُرْآنَ: كأنه يقول أنهم خدمونا نحن وقدموه لنا وبذلوا جهدا كبيرا ليوصلوه لنا.
هذا العلم بالمشافهة ولهذا نجد كلمة "النقل" نقلوه عن غيرهم.
عَذْباً: العذب هو حلاوة الشيء، الماء العذب الحلو الذي لا ملوحة فيه، عكس الأجاج.
َسَلْسَلا: الذي يشربه الإنسان بسهولة ولا يكون فيه غصة أو كدارة.
ولذلك قالوا نقلوا لنا القرآن يمتاز بهذين الوصفين وهذا من باب التشبيه وإن كان كلام الله تعالى لا يشبهه شيء.
فهم لم يغيروا ولم يبدلوا ولم يحرفوا، وإنما نقلوه كما أخذوه، وهذا الذي يميز القراء عن غيرهم والثلاثة أيضا مثلهم، هذه القراءات الصحيحة تمتاز عن غيرها بأنها صحيحة النقل، بل تصل إلى حد التواتر كما أكد العلماء.
(21)
¥