فَمِنْهُمْ بُدُورٌ سَبْعَةٌ قَدْ تَوَسَّطَتْ ... سَمَاءَ الْعُلَى واَلْعَدْلِ زُهْراً وَكُمَّلاَ
فَمِنْهُم: وهذا إنصاف من الشيخ أنه ليس فقط هؤلاء، ولما ذكر القراء السبعة كأنه يشير من خلال هذا البيت أنه هناك من هو في منزلتهم.
ومنهم تفيد التبعيض.
بُدُورٌ: والبدر الذي يستنير به الناس في ظلمة الليل.
وأكن الشيخ يشير إلى قضية تشبيه بالبدور، وتشبيه الناس دون القرآن بظلمة الجهل.
سَمَاءَ الْعُلَى واَلْعَدْلِ: أي على في بعد الناس عن القرآن وأي عدل إذا تنكب الناس القرآن.
زُهْراً وَكُمَّلاَ: البدر الأزهر والمنير، والبدر الكامل الذي يكون في ليلة الرابع عشر.
فكأنه يشير إلى كمالهم ولله الكمال المطلق في موضوع فيما يتعلق للقراءات التي نقلوها، وهذا الذي أكده الإمام الجزري -رحمه الله- قال:
((تتبعت قراءات الأئمة العشرة فما وجدت حرفا منها خارجا عن النقل المتواتر الصحيح الموصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتبعت القراءات صحيحها وشاذها فما وجدت قراءة صحيحة إلا وهي مضمنة بهذه العشرة)).
(22)
لَهَا شُهُبٌ عَنْهَا اُسْتَنَارَتْ فَنَوَّرَتْ ... سَوَادَ الدُّجَى حَتَّى تَفَرَّق وَانْجَلاَ
هذا البيت من خلاله يشير إلى الرواة الذي نقلوا القرآن عن البدور السبعة.
لَهَا: الضمير عائد على هذه السبعة.
شُهُبٌ: لهؤلاء القراء السبعة شهب، وهو الشهاب الثاقب الذي يبرز من النجم، ولذلك الرواة قراءتهم برزت وظهرت من القارىء.
عَنْهَا اُسْتَنَارَتْ: أي استنارت عنها، هذه الشهب استنارت ونورت وأعطت النور بسبب أنها متصلة بهؤلاء القراء.
فَنَوَّرَتْ سَوَادَ الدُّجَى: دائما يسمي الجهل ظلمة، فهؤلاء الذين علموا الناس القرآن وكيفية قراءته.
حَتَّى تَفَرَّق وَانْجَلاَ: لأن إذا جاء النور ذهب الظلام.
(23)
وَسَوْفَ تَرَاهُمْ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ ... مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَمَثِّلاَ
وَسَوْفَ تَرَاهُمْ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ: أي في النظم القادم علينا سوف ترى هؤلاء القراء مع رواتهم.
مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَمَثِّلاَ: وهذا منهج درج عليه العلماء أنهم يأخذون القارىء مع اثنين من الرواة.
السلف في قضية الاثنين أن القارىء عنده أكثر من خلاف، فلو أنه أخذ برواية واحدة لما استوعب الخلافات التي وردت عن القارىء، ولذلك لما سألوا الإمام عاصم -رحمه الله-: ما هذا الخلاف الذي بين حفص وشعبة وكلهم قد أخذوا عنك؟ فقال: أقرأت هذا بما أقرأنيه زر بن حبيش وأبو عبد الرحمن السلمي.
فهؤلاء الاثنان من الرواة يستوعبون قراءة القارىء، فمن فقدنا حرفه عند واحد وجدناه عند الآخر.
كما يؤكد العلماء هؤلاء الرواة الذين رووا عن القراء السبعة منهم من أخذه مباشرة عن شيخه مثلا:
شعبة وحفص أخذوها عن عاصم مباشرة.
أبو الحارث والدوري عن الكسائي.
هناك من الرواة من بينهم وبين القارىء واحد من الشيوخ وذلك أشار إليه في بيت سيأتي فيما بعد مثلا:
الدوري والسوسي أخذا عن أبي عمرو بواسطة يحي اليزيدي
وكذلك خلف وخلاد أخذا عن حمزة بواسطة سليم.
وهناك من بينه وبين القارىء أكثر من واحد مثل:
البزي وقنبل عن ابن كثير على سند.
وهشام وابن ذكوان بينهم وبين ابن عامر الشامي أكثر من راو.
(24)
تَخَيَّرَهُمْ نُقَّادُهُمْ كُلَّ بَارِعٍ ... وَلَيْسَ عَلَى قُرْآنِهِ مُتَأَكِّلاَ
تَخَيَّرَهُمْ: الضمير عائد على القارىء وعلى الراوي وعلى الطريق، يعني هذا الاختيار الذي حصل لهؤلاء القراء والرواة الذين عنهم اختيروا بدقة وعناية وبنقد.
كُلَّ بَارِعٍ: على هؤلاء القراء والرواة، يعني اختاروا البارع في القراءة أي الحاذق الماهر.
وَلَيْسَ عَلَى قُرْآنِهِ مُتَأَكِّلاَ: أي الذي لا يتأكل بالقرآن ويسترزق منه.
فهي إشارة من الإمام الشاطبي -رحمه الله- أن الإنسان ينبغي أن يحرص على أن يقدم هذا القرآن لله تعالى دون أن يلتفت إلى هذه الدنيا الحقيرة.
~ وقفة ~
أن مسألة تأصيل القراءات سواء كان اختيار القراء أو الرواة جاء عبثا.
¥