وَأَمْناً لِلأَمِينِ بِسِرِّهَا: ويا ربي أسألك أن تكرم الذي هو الأمين على سرها المقدم لها والحافظ والمبلغ لها للناس أن تكرمه بالأمن.
وَإنْ عَثَرَتْ: أي هذه القصيدة، وإن وجدت فيها شيء من الخلل والزلل:
فَهُوَ الْأَمُونُ تَحَمُّلاَ: كأنه يقول: تحمل وتغاض عما فيها من الزلل والخطل والخطأ.
الأمون كلمة يوصف بها الجمل الذي يحمَّل عليه الأحمال الكثيرة.
أي كأنه يقول: أملي أن يكون هذا الذي يحملها قويا على توصيلها وتبليغها.
(74)
أَقُولُ لِحُرٍ وَالْمُرُوءةُ مَرْؤُهَا ... لِإخْوَتِهِ الْمِرْآةُ ذُو النُّورِ مِكْحَلاَ
أَقُولُ لِحُرٍ: هنا وصف صاحب القرآن بالحر الذي لم تستهويه الدنيا.
وَالْمُرُوءةُ مَرْؤُهَا لِإخْوَتِهِ: كأنه يقول لصاحب القرآن خيره لإخوانه وليس لنفسه.
الْمِرْآةُ ذُو النُّورِ مِكْحَلاَ: أي شبهه بالمرآة وخيرها ليست لها وإنما هو للآخر الذي إذا نظر بها وجد فيها عيوبها.
(75)
أَخي أَيُّهَا الْمُجْتَازُ نَظْمِي بِبَابِهِ ... يُنَادَى عَلَيْهِ كَاسِدَ السُّوْقِ أَجْمِلاَ
أَخي أَيُّهَا: يا أيها القارىء الذي يقرأ هذا النظم.
الْمُجْتَازُ نَظْمِي بِبَابِهِ: كأن هذا النظم مع شخص جاز بابه وهو ينادي عليه.
يُنَادَى عَلَيْهِ كَاسِدَ السُّوْقِ أَجْمِلاَ: أي إذا رأيت هذه البضاعة بضاعة كاسدة ولا قيمة لها فقل قولا جميلا حسنا.
(76)
وَظُنَّ بِهِ خَيْراً وَسَامِحْ نَسِيجَهُ ... بِالاِغْضاَءِ وَالْحُسْنَى وَإِنْ كانَ هَلْهَلاَ
وَظُنَّ بِهِ خَيْراً: أي ظن الخير ولا تظن الشر.
وَسَامِحْ نَسِيجَهُ: وشبه القصيدة بالنسيج بالثوب الذي يُنسج
بِالاِغْضاَءِ وَالْحُسْنَى وَإِنْ كانَ هَلْهَلاَ: بالاغضاء وغض الطرف عما فيه من المساوىء وأن تقول قولا حسنا وإذا كان ضعيفا في نفسه وهذا تواضع من الشيخ.
(77)
وَسَلِّمْ لِإِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِصَابَةٌ وَالأُخْرَى اجْتِهادٌ رَامَ صَوْباً فَأَمْحَلاَ
كأنه يقول يا أخي أعذرني إذا وجدت في قصيدتي خطأ ما فإنما هي إحدى الحسنيين إصابة أو عدمها، مجتهد طلب الصواب فأمحل يعني وقع في الخطأ، هذا من المحل وهو تشبه بالأرض إذا انقطع ماء المطر عن الأرض نقول أمحلت الأرض وجذبت.
فكأنه يقول إن كان هذا محلا وليس فيه شيء من الفوائد فاعذرني أني اجتهدت.
(78)
وَإِنْ كانَ خَرْقُ فَأدرِكْهُ بِفَضْلَةٍ مِنَ الْحِلْمِ ولْيُصْلِحْهُ مَنْ جَادَ مِقْوَلاَ
وَإِنْ كانَ خَرْقُ فَأدرِكْهُ بِفَضْلَةٍ: وإذا كان خرق تداركه بهمتك ونشاطك وعلمك.
مِنَ الْحِلْمِ: فاحلم علي وظن بي خيرا.
ولْيُصْلِحْهُ مَنْ جَادَ مِقْوَلاَ: هي دعوة صريحة كما هو حال العالم دائما: ما عندي صواب يحتمل الخطأ، وما عند غيري خطأ يحتمل الصواب.
يعني إن وجدت خطأ في هذه القصيدة فأصلحه بالقول الجيد الحسن.
(79)
وَقُلْ صَادِقًا لَوْلاَ الْوِئَامُ وَرُوحُهُ لَطاَحَ الْأَنَامُ الْكُلُّ فِي الْخُلْفِ وَالْقِلاَ
كأنه يقول المهم فينا الصدق سواء كان في الناصح أو المنصوح، ولابد أن يسود بيننا الوئام وهذا يستشير بالمثل العربي:
لولا الوئام لطاح الأنام
فالوئام معناه أن الإنسان يسع أخاه.
والخلف والقلا من الجفاء والبعد.
كأنها نصيحة أن يقدر كل واحد منا للآخر الاجتهاد فإن وجد فيه خيرا فليحمد الله وإن وجد غير ذلك فليقدم النصيحة بأسلوبها الصحيح، همه الحقيقة وليس حظ النفس والتشييع.
هذه الأبيات هي متابعة للأبيات السابقة في مسألة النصائح والتوجيهات لهذا القارىء المقرىء:
(80)
وَعِشْ سَالماً صَدْراً وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ ... تُحَضَّرْ حِظَارَ الْقُدْسِ أَنْقَى مُغَسَّلاَ
وَعِشْ سَالماً صَدْراً: يعني حال، يعني كن في حياتك سليم الصدر، ويستشهد بذلك قول الله عز وجل:? إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ? [الشعراء:89].
ويكون الإنسان سليم الصدر من الضغائن والحقد، فيطلب من قارىء القرآن أن يكون سليم الصدر لإخوانه، ولذلك نتأمل قول الله تعالى:? وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ? [الحشر:10].
¥