وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ: هنا أكد على هذا الخلق الذميم تحديدا، لا تحضر مجالس الغيبة لأنها مجالس شؤم.
والغيبة كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم: [ذكرك أخاك بما يكره]، قالوا: يا رسول الله إن كان ما نقوله فيه، قال: [إن كان ما تقول فيه فقد اغتبته ... ].
هنا فيها جناس (غيبة فغب).
وتكون النتيجة:
تُحَضَّرْ: جُزِمت بجواب الطلب.
حِظَارَ الْقُدْسِ: هنا كناية عن الجنة، وفرق بين تحضر وحظار، هنا جناس ناقص، وحظار من الحظيرة، والحظيرة ذلك المكان الذي يحظر فيه دخول من لا نريده أن يدخل، والحظر المنع، كقوله تعالى:? إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ? [القمر:31].
أَنْقَى مُغَسَّلاَ: أي نقيا طاهرا، وإن أصابك شيء من هذه الابتلاءات فاغسله بالابتعاد بالتوبة والاستغفار
~ فائدة ~
النقطة التي نأخذها من البيت أن المعاصي تفسد وتؤذي الروح، وغسيلها بالاجتناب ثم بالتوبة والاستغفار والإنابة والرجوع إلى الله سبحانه.
(81)
وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتِي ... كَقَبْضٍ عَلَى جَمْرٍ فَتَنْجُو مِنَ الْبلاَ
ونلاحظ دائما أنه يستشهد بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية الشريفة:
وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ: مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [يأتي على الناس زمان الصبر الصابر فيه كالقابض على الجمر].
فالصبر عدة المؤمن قال تعالى:? وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ? [البقرة:45].
مَنْ لَكَ: كأنه يقول أن هذا زمان الصبر من يا ترى من الذين يكونون كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم يحرصون على أن يقبضوا على دينهم كالقابض على الجمر.
بِالَّتِي كَقَبْضٍ عَلَى جَمْرٍ فَتَنْجُو مِنَ الْبلاَ: هي دعوى من الإمام الشاطبي لنا جميعا أن يكون الإنسان منا صابرا ولو في كراهة.
فتنجو من البلا أي من الابتلاء الدنيوي أو الأخروي.
(82)
وَلَوْ أَنَّ عَيْناً سَاعَدتْ لتَوَكَّغَتْ ... سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِ دِيماً وَهُطّلاَ
هنا يشير ويلمح لنا بشيء أن الإنسان ينبغي أن يحرص على أن يبكي من خشية الله وخوفه منه سبحانه.
لتَوَكَّغَتْ: التوكف هنا المقصود به غزارة المطر.
سَحَائِبُهَا: هنا استعارة ما في السحاب والغيوم وما ينزل فيها من الأمطار.
فشبه العين بها من شدة ما ينزل فيها من الدمع الغزير المدرار.
دِيماً وَهُطّلاَ: ديما من الديمومة استدامة هذا الأمر.
وهطلا أي بشكل غزير وكثيف.
فهي دعوة من الإمام أن يكون الإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام: [رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه].
(83)
وَلكِنَّها عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُهاَ ... فَيَا ضَيْعَةَ الْأَعْمَارِ تَمْشِى سَبَهْلَلاَ
وَلكِنَّها عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُهاَ: أي لكن قحط العين وعدم هطول الدمع منها من خشية الله سببه قسوة القلب.
وسماها القحط كما أن السماء إذا حبست ماءها عن الأرض ولم ينزل قحطت الأرض.
فَيَا ضَيْعَةَ الْأَعْمَارِ تَمْشِى سَبَهْلَلاَ: يعني هنا يتأسف إذا بقي الإنسان على هذه الحالة.
والسبهلل قال العلماء الفارغ الذي لا شيء فيه، ولذلك الإنسان إذا قال: مضى عمره سبهللا أي ليس فيه عمل ولا هدف ولا غاية.
فيا ضيعة الأعمار إن كانت تمضي على هذه الشاكلة.
كأنه إشارة يقول: كن مع الله في خلواتك وجلواتك.
(84)
بِنَفسِي مَنِ اسْتَهْدَىَ إلى اللهِ وَحْدَهُ ... وَكانَ لَهُ الْقُرْآنُ شِرْباً وَمَغْسِلاَ
بِنَفسِي مَنِ اسْتَهْدَىَ إلى اللهِ وَحْدَهُ: كأنه قدم نفسه الإمام الشاطبي رحمه الله فداءا بمن كانت هذه حاله لمن استهدى إلى الله وحده لا شريك له، أي اجعل الله سبحانه همك واطلب هداية الله، ومن استهدى فيه الطلب كانت له الهداية وكان طريقه طريق الهداية.
وَكانَ لَهُ الْقُرْآنُ شِرْباً وَمَغْسِلاَ: يعني القرآن لك في جميع أحوالك، إما أن تشرب منه فترتوي، وإما أن تغسل عنك أدرانك به.
(85)
وَطَابَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ فَتفَتَّقَتْ ... بِكُلِّ عَبِيرٍ حِينَ أَصْبَحَ مُخْضَلاَ
وَطَابَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ: أي الأرض التي يعيش فيها تطيب به:
تحيا بكم كل أرض تنزلون بها
فالأرض التي يكون فيها صاحب القرآن تكون فيها البركة والخير والنماء.
¥