الإمام الشاطبي عندما يأتينا بالأبيات يأتي مع الرموز بما يوجه القراءة ويبين أصلها وواقع الحال، فهنا مثلا أعطانا مع الرموز حكما، كأنه يقول أن هؤلاء يبسملون لا من عند أنفسهم وإنما السنة الواردة التي نقلوها في البسملة.
السنة: هي الطريقة.
رجال: الذين نقلوا هم رجال.
نموها: نقلوها، والنقل ليس اجتهاد شخصي وإنما درية وتحملا.
درية وتحملا: أي أنهم رووا هذا الحكم وتحملوه بالرواية الواردة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(101)
وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ (فَـ) ـصَاحَةٌ ... وَصِلْ وَاسْكُتَنْ (كُـ) ـلٌّ (جَـ) ـلاَيَاهُ (حَـ) ـصَّلاَ
وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ (فَـ) ـصَاحَةٌ: هنا حمزة المرموز له بالفاء وأنه يصل بين السورتين بلا بسملة.
وَصِلْ وَاسْكُتَنْ (كُـ) ـلٌّ (جَـ) ـلاَيَاهُ (حَـ) ـصَّلاَ: الصلة بلا بسملة أو السكت بلا تنفس كل جلا وحصلا:
(ك) ابن عامر
(ج) ورش
(ح) أبو عمرو
إذن عندنا ثلاثة مذاهب في هذين البيتين:
المذهب الأول
أثبت البسملة بين السورتين (قالون- الكسائي- عاصم وابن كثير).
المذهب الثاني
الوصل بين السورتين دون البسملة (حمزة).
المذهب الثالث
خيَّر بين السكت والوصل بلا بسملة (ابن عامر - ورش وأبو عمرو).
(102)
وَلاَ نَصَّ كَلاَّ حُبَّ وجْهٌ ذَكَرْتُهُ ... وَفِيهاَ خِلاَفٌ جِيدُهُ وَاضِحُ الطُّلاَ
هذا البيت استدراك على البيت السابق، كأن الشاطبي يقول:
لا نص عند ابن عامر وأبو عمرو والخلاف ظاهر عند ورش.
هذا البيت من الأبيات التي استشكلت على بعض الشراح، وخلاصة القول:
أن بعض الشراح يرون أن في هذا البيت رموزا، وبعضهم لا يرى ذلك.
يقول الإمام أبي شامة في (إبراز المعاني من حرز الأماني):
((وإن قلنا إن جيده رمز ورش لزم أن يكون ابن عامر وأبو عمرو لم يرد عنهما خلاف في البسملة وهو خلاف المنقول فلهذا قلنا لا رمز في البيت أصلا والله أعلم)).
(103)
وسَكْتُهُمُ الْمُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ ... وَبَعْضُهُمُ فِي الْأَرْبِعِ الزُّهْرِ بَسْمَلاَ
وسَكْتُهُمُ الْمُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ: السكت: هي سكتة لطيفة بمقدار الشهيق والزفير لكن دون شهيق وزفير، في مواضع مخصوصة حددها العلماء، والسكت يختلف عن الوقف.
وكأن اختيار الشاطبي إذا خُيِّر بين الوجهين أنه يختار السكت ثم بين بأنه بلا تنفس.
وَبَعْضُهُمُ فِي الْأَرْبِعِ الزُّهْرِ بَسْمَلاَ: أي بعض الرواة عن هؤلاء الثلاثة الذين يصلون.
الأربع الزهر هي: القيامة - المطففين - البلد والهمزة.
لماذا هذه السور الأربعة لها خصوصية؟
قال العلماء خصوصيتها في البدء بها.
من مذهبه السكت يختار في هذه البسملة.
بعضهم: أي بعض القراء أو الرواة أو الشيوخ الذين نقلوا عن هؤلاء العلماء الذين يسكتون في الأصل.
نلاحظ أن هنا بين السورة التي قبل هذه السور الأربع فيه تباين في الموضوع الذي يتحدث بهما، مثلا:
بين المدثر والقيامة وحتى يكون فاصل بين هاتين السورتين فصل بالبسملة، أو لحمزة الذي هو في الأصل يصل سكت، ولهذا قال:
(104)
لَهُمْ دُونَ نَصٍّ وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ ... لِحَمْزَةَ فَافْهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلاَ
وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ لِحَمْزَةَ فَافْهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلاَ: أي يسكت بين السور الأربعة.
فافهمه: أي افهم هذا الأمر.
ليس مخدلا: لتكميل البيت أن هذا الموضوع فيه ما ورد عن هؤلاء العلماء فإن كانوا يصلون بغيرها من السور كحمزة فهو يسكت فيها، وإن كان يسكت فهو يبسمل بين هاتين السورتين.
(105)
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً ... لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً: يعني مهما تصل براءة أو تبدأ بها فلا تبسمل.
لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ: ذكر الحكم مع توجيهه أي:
لا بسملة مع بداية براءة سواء كنا مبتدئين بها أو واصلين لها بما قبلها.
والسر في هذا هو عدم الورود، وعثمان رضي الله عنه لما سئل عن ترك البسملة في الكتابة قال: ((كنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا ندري انقضاء السورة حتى تنزل علينا البسملة فنؤمر بكتابتها فنعلم عندها أن سورة قد بدأت إلا ما كان بين الأنفال وبراءة فلم يؤمر من ذلك بشيء)).
العلماء بعد ذلك حاولوا أن يجدوا التوجيه، من جملتها:
¥