تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أشكر المعلّق الفاضل الدكتور الجكني على ما قدّمه، وقد اطّلعت بدوري على تعليقاته كافّة بتمعّن ودقّة، فوجدت أنّ معظمها متعلّق بقضيّة التواتر، أي تواتر القراءات ورواياتها. كذلك وجدته غير موفّق في فهم منهجيّة التحقيق التي اعتمدتها في هذه المفردة ومفردة ابن محيصن المكّيّ، لأنّه فاته ما أشرتُ إليه في منهج التحقيق (مفردة الحسن البصريّ، ص188)، ولا ضير في نقله هنا لتعميم فرصة الاطّلاع عليه:

"اكتفيت بالإحالة إلى أربعة مصادر في القراءات المتواترة من القرن الرابع الهجريّ، هي كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد (324) وكتاب معاني القراءات لأبي منصور الأزهريّ (370) والمبسوط في القراءات العشر لابن مهران (381) وكتاب التذكرة في القراءات لابن غلبون (399)."

معنى هذا الكلام أنّني أتّبع في التحقيق منهجيّة تواتر القراءات حسب تطوّرها التاريخيّ وحسب ما هو معمول ومأخوذ به في الفترة المنصوص عليها آنفًا، وهي فترة القرن الرابع الهجريّ. بالمقابل لا آخذ في التحقيق، تحقيق المفردتين، بمنهجيّة ما أقرّه إمام المحقّقين ابن الجزريّ (833) في عصره من تواتر القراءات العشر مع تحديد رواياتها وطرقها، لأنّ ما قام به هذا الإمام الجليل من تعشير القراءات وإقرار تواترها، كما يتجلّى في كتابه النشر في القراءات العشر، له بُعْدٌ في عصره وما تلاه، لا في عصر الأهوازيّ (446) الذي عاش بين النصف الثاني من القرن الرابع إلى النصف الأوّل من القرن الخامس الهجريّ، أي قبل ابن الجزريّ قرابة أربعة قرون. لذا، فإنّه من الأَوْلى والأجدر تحقيق كتب القراءات التي ألّفها الأهوازيّ على سبيل المثال، لا الحصر، والحكمُ عليها حسب ما تمّ إقراره بشأن تواتر القراءات في القرن الرابع الهجريّ من تسبيعها على يدي الإمام الأعظم ابن مجاهد (324) وما أضافه علماء القراءات في هذا القرن على تسبيعه غرض توسيع دائرة التواتر، أمثال أبي منصور الأزهريّ (370) وابن مهران (381) وابن غلبون (399). وهذا التواتر، تواتر القراءات في القرن الرابع الهجريّ، يشمل أيضًا فيما يشمل ما تمّ اعتماده من روايات وطرق، قد حُكم على بعضها بعدم التواتر لاحقًا، كرواية المفضّل الضبّيّ على سبيل المثال، لا الحصر، حيث اعتمدها ابن غلبون في كتاب التذكرة [1/ 60] وقدّمها في الترتيب على رواية حفص بن سليمان [هناك 1/ 61 - 63] ورواية أبي بكر [هناك 1/ 62 - 63].

فهذه منهجيّة علميّة، تضع الأمور في سياقها التاريخيّ؛ فلا يجوز الحكم على كتب القراءات المتقدّمة بالكتب المتأخّرة، لما في ذلك من خلط في السياق التاريخيّ، بل المتأخّرة بالمتقدّمة لما في ذلك من مراعاة للتطوّر التاريخيّ وتسلسل مراحله.

أسأل الله تعالى أن يفتح على المعلّق الفاضل وعلى غيره بهذه المنهجيّة وأن يأخذوا بها في تحقيقاتهم المستقبليّة.

بناءً على هذه المنهجيّة لا يجوز الحكم على قراءة الحسن البصريّ ولا على قراءة ابن محيصن المكّيّ حسب المفردتين للأهوازيّ، بالشذوذ، كما حصل لاحقًا بعد تعشير القراءات، لأنّ روايتهما قد صحّت وثبتت عند الأهوازيّ وهو إمام جليل في هذا الفنّ، فلم يعتبرهما من الشواذّ. لذا كنتُ متنبّهًا غاية التنبّه لهذه المسألة ومدركًا تمامًا لبعدها، فلم أطلق في تحقيقي للمفردتين على الحروف الواردة فيهما - التي حُكم عليها لاحقًا بأنّها شاذّة - شيئًا من الحكم، بل أبقيتها بدون حكم مراعاة لمفهوم الأهوازيّ لها على أنّها غير شاذّة وجمعًا وتوفيقًا بينه وبين مفهوم مَنِ اعتبرها لاحقًا من الشواذّ؛ فهذه حيطة واجبة واحتراز مطلوب في التحقيق.

لم ينفرد الأهوازيّ بذلك، بل نجد غيره قد سلك هذا المسلك، أمثال الأندرابيّ (بعد500) وسبط الخيّاط (541). أمّا الأندرابيّ، فقد أورد قراءة ابن محيصن المكّيّ في المكان الرابع (4) بعد قراءة أبي جعفر المدنيّ (1) ونافع المدنيّ (2) وابن كثير المكّيّ (3)؛ فبذلك قدّمه في الترتيب على قراءة ابن عامر (5) وأبي عمرو (6) وعاصم (7) وحمزة (8) والكسائيّ (9) ويعقوب (10) واختيار أبي عبيد (11) وخلف (12) وأبي حاتم (13)؛ فعنده قراءة ابن محيصن المكّيّ غير شاذّة. كذلك روى سبط الخيّاط قراءةَ ابن محيصن المكّيّ أيضًا وقراءة سليمان بن مهران الأعمش في كتابه المبهج وقدّمهما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير