وأما الاستفهام الإنكاري: فهو يدل على أن الأمر المستفهم عنه أمر منكر، وقد يكون هذا الذي ينكره العقل أو الشرع أو العرف أو القانون أو غير ذلك.
وللاستفهام الإنكاري أنواع بحسب المراد بالإنكار، فقد يكون إنكاراً يراد به التوبيخ على أمر قد مضى، أو أمر قائم، أو إنكاراً للتكذيب وغير ذلك.
ومن أمثلته قوله تعالى على لسان موسى يخاطب أخاه هارون: (أفعصيت أمري؟).
وقوله تعالى: (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً؟). ينكر عليهم إنكاراً فيه تكذيب لهم.
وقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام عندما دعا قومه فكذبوه: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون؟)
ويجب في الاستفهام الإنكاري أن يقع الأمر المُنْكَر بعد همزة الاستفهام كما في الأمثلة.
وقد يكون الأمر المنكر - بفتح الكاف - هو الفعل كما في قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام يخاطب أباه: (أتتخذ أصناماً آلهة؟) ينكر عليه ذلك.
وقول إبراهيم عليه السلام لقومه: (قال أتعبدون ما تنحتون؟) ينكر عليهم فعلهم.
وقد يكون المنكر هو الفاعل، كقوله تعالى: (أهم يقسمون رحمة ربك؟) وقوله تعالى: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟)
وقد يكون المنكر هو المفعول، كقوله تعالى: (أغير الله أتخذ ولياً؟). وقوله تعالى: (أغير الله تدعون؟)
وقد يكون المنكر هو المفعول لأجله، كقوله تعالى: (أإفكاً آلهة دون الله تريدون؟) وغير ذلك.
وموضوع الاستفهام موضوع شيق، وقد بحثه كما أسلفت علماء المعاني، فلو رجعت إلى أي كتاب من كتب البلاغة لوجدت دراسة حول موضوع الاستفهام، مدعمة بالأمثلة الكافية إن شاء الله. وما ذكرته لك هو ما علق بالذاكرة من أنواع هذا الفن، وأمثلته من القرآن الكريم.
وقد بحثه الدكتور محمد عبدالخالق عضيمة رحمه الله، في كتابه النفيس (دراسات لأسلوب القرآن الكريم) وستجده في الأجزاء الثلاثة الأولى من كتابه وهو القسم الأول من الكتاب، وقد استقصى رحمه الله الأمثلة للاستفهام بأنواعه في القرآن الكريم.
كما تعرض لبعضه أحمد بن فارس في كتابه الصاحبي عند حديثه عن بعض أدوات الاستفهام.
أسأل الله لك التوفيق، ومرحباً بك مرة أخرى في ملتقى أهل التفسير.
ـ[محمد العبدالهادي]ــــــــ[04 Aug 2004, 11:59 ص]ـ
الشيخ عبدالرحمن جزيت خيرا ولكن عندي سؤال:
هل يوجد استفهام إنكاري من غير توبيخي والعكس توبيخي من غير إنكاري أم أن الإنكار يشم منه رائحة التوبيخ غالباً؟
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[04 Aug 2004, 05:07 م]ـ
بورك فيك يا شيخ عبد الرحمن وفي الإخوة المشاركين، وأضيف استفسارًا، وهو ألا يصلح لاستفهام التمني قوله تعالى: (وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل).
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Aug 2004, 08:06 م]ـ
أخي محمد: كلامك صحيح في التداخل بين الإنكار والتوبيخ، والتفريق تعليمي فقط، وربما توجد أمثلة للتفريق لكنها لا تحضرني والأمر يسير.
أخي أبا عبدالملك: نعم يصلح مثالاً لا ستفهام التمني ونصف! وفقك الله.
ـ[أحمد بن فارس]ــــــــ[08 Aug 2004, 12:18 ص]ـ
الشيخ عبد الرحمن الشهري .. جزاكم الله خيرا على هذا التوضيح الشافي .. والجواب الوافي
والحقيقة أن الأمر كما ذكرتم عن ابن فارس رحمة الله عليه .. وبودي معرفة مشروعكم العلمي عنه
وشكرا للأخوة المشاركين في الموضوع .. وبارك الله في الجميع
ـ[خالدعبدالرحمن]ــــــــ[13 Aug 2004, 11:20 م]ـ
السلام عليكم أيها الأخوة ....
و جزاك الله خيراً أيها الشيخ الشهري على توضيحك ...
ولكن هل لي أن أسأل عن هذا السؤال الوارد في أول القرآن، بأي قسم من الأقسام التي ذكرت تُدرجه؟
ألا وهو (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك و نقدس لك)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[19 Aug 2004, 12:06 م]ـ
أخي الكريم خالد عبدالرحمن وفقه الله
الذي يبدو لي أن السياق الذي ورد فيه الاستفهام في قوله تعالى على لسان الملائكة الكرام: (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك و نقدس لك). يجعلنا نحمل الاستفهام هنا على التعجب فقط دون التجاوز إلى تحميله معنى الإنكار؛ لمعرفتنا بالسائل وأدبه وهم الملائكة، والمسئول وعظمته سبحانه وتعالى. ومراعاة السياق في الكلام العربي أمر معروف، وقد تتخلف قواعد البلاغيين في كثير من المواطن من أجل هذا الغرض. ولعل الإخوة الكرام يزيدون هذا الأمر إيضاحاً.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[28 Aug 2004, 04:37 م]ـ
فات علي أن أنبه إلى أن هناك كتاباً ثميناً جداً تناول موضوع الاستفهام في القرآن الكريم كله بالدراسة، ولا سيما من الناحية البلاغية. وهو كتاب (التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الحكيم) للأستاذ الدكتور عبدالعظيم بن إبراهيم المطعني حفظه الله. ويقع في أربع مجلدات. طبعته مكتبة وهبة بالقاهرة.
وقد تناول فيه بالدراسة والتحليل كل الآيات المشتملة على استفهام مرتباً لها بحسب ترتيبها في سور القرآن الكريم. وهو كتاب بديع، ومؤلفه ممن له قدم صدق في الدراسات البلاغية المتميزة للقرآن الكريم، وهو جدير بأن يفرد لجهوده في الدراسات القرآنية مقال مستقل. ولعلني أفعل ذلك إن شاء الله.