تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[العدول في التعبير القرآني]

ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[08 Aug 2004, 05:13 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[العدول في التعبير القرآني]

لا يمكن تفهّم اختيار المفردة القرآنية إلا من خلال دراسة العدول إليها عن غيرها لزيادةٍ فيها أو خصيصةٍ بيانية يحتاجها السياق، ويمكن تقسيم العدول إلى:

1 - العدول لأجل تحقيق الدقة في الوصف: قال تعالى: (قُتِلَ الخراصون) (الذاريات: 10) فلو نظرنا إلى لفظة الـ (خراصين) ولماذا لم تجيء بدلها لفظة (الكذابين) مع أن من المفسرين من يفسرها بهذه (قيل الخرص الكذب وقوله تعالى:) إن هم إلا يخرصون ((الزخرف: 20) قيل معناه يكذبون وقوله تعالى: (قتل الخراصون) قيل لُعن الكذابون) ((1)) على أن المراد هنا الإخبار عن الكذابين فقط فـ (حقيقة ذلك أن كل قولٍ مقولٍ عن ظنٍ وتخمين يقال: خَرصٌ سواء كان مطابقاً للشيء أو مخالفاً له من حيث أن صاحبه لم يقله عن علمٍ ولا غلبة ظنٍ ولا سماع بل اعتمد على الظن والتخمين ….) ((2)) لذلك قال الزمخشري (الخراصون الكذابون المقدرون) ((3)وكذلك في قوله تعالى: (قل هو الله أحد) (الإخلاص: 1) فقد عُدل عن (واحد) إلى (أحد) لـ (أن الشيء قد يكون واحداً ولكنك إذا نظرت إلى تركيبه وجدته مركباً من أشياء فكلمة (أحد) تنفي ذلك التركيب ... ) فـ (قد يكون الشيء في ذاته واحداً لا يوجد فردٌ ثانٍ مثله إنما لم يُنفَ عنه أنه هو في ذاته مركب ... ) ((4)).

2 - العدول مراعاة للأصل اللغوي: قال تعالى: (إن الإنسان لربه لكنود) (العاديات: 6) الكنود الرجل (الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويجيع عبده) ((5)) وقيل العاصي وقيل البخيل ((6)).

وقد أرجعت بنت الشاطي هذه المعاني إلى الأصل اللغوي: الأرض الكنود التي تعصي على الزارع فلا تنبت فهي عاصية وبخيلة .... ((7)) فالأصل في هذه المفردة الأرض التي لا تنبت شيئاً، (والمرأة الكنود التي تبخل بمودتها وهو نوع من التطور الدلالي) ((8)) وبهذا العدول اكتسب السياق بُعداً إيجابياً من اصل المفردة اللغوي وكأن الكافر تحوّل إلى قطعةٍ صخرية من الأرض لا جدوى من زرعها لأنها لن تنبت شيئاً فهي كالمرأة التي رجاء في مودتها.

3 - العدول عن مطلب السياق القياسي لغاية تعبيرية: قال تعالى: (هم العدو فآحذرهم) (المنافقون: 5) فجيء بلفظ (العدو) بدلاً من (الأعداء) مع أنها جاءت كذلك في سياقٍ آخر قال تعالى: (إن يثقوفوكم يكونوا لكم أعداء .. ) (الممتحنة: 2) فكان القياس في الأولى أن تأتي لفظة (الأعداء) لكن عُدِلَ عنها إلى لفظ (العدو) الذي يعني الأعداء ((9)) بالتأكيد، فما الغاية من هذا العدول؟ وهو ليس صوتياً لأن التعبير بالأعداء سيكون جميل الإيقاع أيضاً إذ سيكون على وزن (مفاعيلن مفاعيلن) وهذا وزن شعري جميل (بحر الهزج).

فإذا لم يكن العامل الصوتي الأساس في هذا العدول فلا بد أن يكون للدلالة دورها في هذا السياق، فلو قيل (الأعداء) لكان في هذا تكثير لشأنهم وأمرهم، ولما كان السياق هنا يجردهم من كل صفات القوة والتأثير والنفع بدليل قوله تعالى قبل هذا: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم .... كأنهم خُشُبٌ مسنّدة يحسبون كلَّ صيحةٍ عليهم هم العدو فاحذرهم ... ) (المنافقون: 4) فأخرجهم من الكثرة إلى القلة وكأنه يغري بهم، كما في قوله تعالى: (إذ يريكَهمُ الله في منامِكَ قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضيَ أمراً كان مفعولاً) (الأنفال: 43، 44) وكذلك فأنَّ استخدام (العدو) يدلل على اتفاق كلمتهم على العداوة، لذلك جاء وصفهم بـ (الأعداء) عندما كان السياق موجهاً لتحذير المسلمين منهم (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء …)، ومن ذلك قوله تعالى: (لا يُقاتلونكم جميعاً إلا في قُرىً محصنة أو من وراء جُدُر) (الحشر: 14) إذ اختيرت لفظة (جُدُر) جمع (جدار) دون (جدران)، لتدل على أقصى الكثرة مع أن (جدران) هي الأكثر في الاستخدام، إلا أنها أي صيغة (فعلان) استعملت في القرآن للقلة النسبية دائماً ((10)) في حين كان السياق يصور خواءهم وشدة خوفهم وحرصهم على الحياة، فما كانت زِنَة (جدران) لتناسب سياق الخوف والجبن، من أجل ذاك عُدل إلى (جُدر) جمع جدار، هذه الزِنة التي قال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير