تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الأسباب الدلالية لاختيار المفردة القرآنية]

ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[08 Aug 2004, 02:28 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[الأسباب الدلالية لاختيار المفردة القرآنية]

أولاً: اختيار المفردة لإيحائها الدلالي (الدلالة الهامشية): لعل العامل الأساس في اختيار المفردة دون غيرها هو ما تحققه اللفظة المختارة وما تعطيه من معانٍ ودلالاتٍ

إلى جنب الدلالة الأساسية التي قد تشترك فيها مع غيرها من المفردات، وبذلك تكون المفردة المختارة قد أدت المعنى الأساس في التعبير، فضلاً عمّا أوحت به ضمن الإطار السياقي نفسه، ومن هنا كانت استحالة تغيير أو استبدال هذه المفردة حتى مع مرادفتها إن كان هناك مرادف أصلاً، وأنا هنا لا أقصد (بالإيحاء الدلالي) تأدية المعنى الدلالي المباشر بل المعاني الجانبية له والتي تدور حول هذا المعنى الأساس، ويمكن أن يتشكل هذا الإيحاء في المحاور الآتية التي يتم اختيار المفردة بسببها:

أ – الإيحاء المعتمد على التقابل الدلالي: فقد تختار المفردة في التعبير القرآني مصورةً المعنى المراد وفي الوقت نفسه يكون لها مقابل على المستوى الدلالي توحي به إلى جنب المعنى الذي أدته أساساً ففي قوله تعالى: (حتى زرتم المقابر) (التكاثر: 2) فإن لفظة (زرتم) تمثل لفظة لها مقابل دلالي هو الرجوع فكل زائر لاشك وستنتهي به زيارته (فاستعمال الزيارة بهذا المعنى صريح الإيحاء بأن الإقامة في القبر ليست إقامة دائمة … وسوف تنتهي الزيارة حتماً إلى بعث وحساب وجزاء، وهذا الإيحاء ينفرد به لفظ (زرتم) دون غيره فلا يمكن أن يؤديه لفظ آخر كأن يقال (قبرتم، أو سكنتم المقابر …إنها زيارة أي إقامة مؤقتة ويعقبها بعث ونشور)، ومن ذلك قوله تعالى: (يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم) (الزلزلة: 6) فالصدور إنما هو مقابل دلالي للورود فاستعمال الفعل (يصدر) ليوحي إلى أن الحياة الدنيا ليست بدار مقامٍ وليس هذا فقط فقد (جرت أمثالهم بأن الوارد يجب أن يعرف كيف يصدر وإلا ضاعَ ففي لفظ (يصدر) هنا لفتٌ واضح الإيحاء إلى أن الحياة الدنيا ليست بدار مقامٍ، إن هي إلا رحلة نجتازها ولابد من تأمين طريق الصدر …) ولا يمكن أن يستبدل هذا اللفظ (يصدر) بلفظٍ آخر مثل (يخرج وينصرف) ويعطي من المعنى ما أعطاه الفعل الأول، وهذا كثير في القرآن.

ففي قوله تعالى (ولله ميراث السموات والأرض) (الحديد: 10) يظهر تساؤل كيف يرث الله هذه؟ ونستطيع الإجابة عندما نجد المقابل الدلالي وهو الموت، وبهذا يكون اختيار لفظ (ميراث) إيحاء بأن كل من في السموات والأرض سيموت ويبقى تعالى وحده (لأنه الباقي بعد فنائهم والدائم بعد انقضائهم) (1).

ب – الإيحاء المعتمد على الغرابة اللفظية: قال تعالى (تلك إذاً قسمة ضيزى) (النجم: 22) فهنا وصف لحكم المشركين بأن لله تعالى البنات ولهم البنون، وهذا الحكم على ما فيه من انتفاءٍ للعدل والغرابة فإنه يحوي غرابة أكبر من خلال معرفتنا أن العرب أو قسماً منهم ما كانوا يرضون لأنفسهم ما رضوه لربهم وهو (البنات) (وإذا بُشرَ أحدهم بالأنثى ظلَّ وجههُ مسوداً وهو كظيم يتوارى من القومِ من سوء ما بُشر به أيمسكه على هونٍ أم يدسهُ في التراب …) (النحل: 58 - 59) لذلك قال تعالى: (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى) (النجم: 21 – 22) فالحكم ليس جائراً وحسب وإنما هو غريب في العقل والمنطق – أن ينسب العبد مالا يرضى لنفسه إلى ربه – لذلك استعملت (ضيزى) والتي تعني القسمة الجائرة أو غير العادلة، ولم تستعمل هاتان الكلمتان، لهذه الزيادة في إيحاء (ضيزى) (فكانت غرابة اللفظ أشد الأشياء ملائمة لغرابة هذه القسمة التي أنكرها) (2) (والعرب يعرفون هذا الضرب في الكلام وله نظائر في لغتهم وكم من لفظةٍ غريبةٍ عندهم لا تحسن إلا في موضعها ولا يكون حسنها على غرابتها إلا أنها تؤكد المعنى الذي سيقت إليه بلفظها) (3) وبهذا يتبين بُعدُ ما ذهبت إليه بنت الشاطئ بقولها (وقُصارى ما ألمحه فيها – على بُعْدٍ – أن يكون فيها مع الجور حس مادتها فيما يلوك عَبَدة الأوثان من ألفاظٍ منقولة من: ضاز التمرة لاكها في فمه والله أعلم) (4).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير