تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دراسة اختلاف بنية المفردة القرآنية (1):]

ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[14 Aug 2004, 01:15 ص]ـ

دراسة اختلاف بنية المفردة القرآنية:

أولاً: المفردة بين الاسمية والفعلية:

من الظواهر الأسلوبية اللافتة في البيان القرآني هذا الملحظ الدقيق من فروق الدلالات عند استخدام صيغ الأفعال والمشتقات تُصوِّر المشاهِد وتستحضِر الأحداث كأنما تراها العين وتسمعها الأذن ..... (1)، وكلُّ من اعتمد التفرقة بين الاسم والفعل دلالياً أعتمد كلمات الجرجاني: (إنّ موضوع الاسم يثبُتُ به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدّده شيئاً بعد شيء وأمَّا الفعل فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئاً بعد شيء ... ) (2)، فإذا ما أردت الدلالة على الحدوث جئت بجملة مسندها فعل تقدَّم الفعل أو تأخر وإذا أردت الدلالة على الثبوت جئت بجملة مسندها اسم ... (3)، واستخدامها مع ثبوت الفرق وأن المعنى مع أحدهما غيره مع الآخر (4).

على أن يُراعى في مثل هذا الاعتبار، سياق الجملة الطبيعي أي أن تبدأ الجملة الفعلية بالمسند (أي الفعل) ثم المسند إليه (الفاعل) والاسمية بالمسند إليه يليه المسند (اسماً كان أم فعلاً) (5)، ولا عبرة بموقع المسند، فعلاً كان أم اسماً، من الجملة كما ذهب بعض المحدثين (6)، وقد رفضه الكثير من المحدثين (7) واعترض الدكتور إبراهيم السامرائي على دلالة التجدد في مثل (مات محمد) و (هلك خالد ... ) إذ كلُّها أحداث منقطعة لم يكن لنا أن نجريها على التجدد وذكر بأنه ربما فات الأستاذ المخزومي شيء في مقالة الجرجاني، هو أنَّ المثال الذي جاء فيها كان الفعل فيه (ينطلق) وبناء (يفعل) أو المضارع يفيد التجدد والحدوث (8) وقد نوقش هذا الرأي قديماً فالمراد بالتجدد في الماضي الحصول وفي المضارع أنَّ من شأنه أن يتكرَّر ويقع مرَّةً بعد أخرى صرّح بذلك جماعة (9) واللطيف في الفرق بين دلالة الفعل والاسم هو الاستخدام الخاص في القرآن لهما فسبيل الواجبات في القرآن (الإتيان بالمصدر مرفوعاً كقوله تعالى: (فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ) (البقرة: 229)، وقوله: (فاتباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان) (البقرة: 178) وسبيل المندوبات الإتيان به منصوباً كقوله تعالى: (فضربَ الرقابِ) (محمد: 4)؛ ولهذا اختلفوا هل كانت الوصية للزوجات واجبة لاختلاف القراءة في قوله تعالى: (وصية لأزواجهم) بالرفع والنصب. قال أبو حيان والأصل في هذه التفرقة قوله تعالى: (قالوا سلاماً قال سلامٌ) (الذاريات: 25) فإنَّ الأوّل مندوب والثاني واجب (10)، والنكتة في ذلك أن الجملة الاسمية أثبت وآكد من الفعلية) (11)، وقد أفاد التعبير القرآني من هذه الظاهرة الأسلوبية فاستخدمها في عدة أساليب ليحقق بذلك الاستخدام الأمثل وحسب حاجة السياق وعلى الشكل التالي:

1 - فرّق في استخدامها معاً في الإثبات:

قال تعالى: (أو لم يروا إلى الطيرِ فوقهم صافّات ويقبضن) (الملك: 19) فقد جيء في وصف الطير بـ (صافات) بصيغة الاسم لأنّ الصف هو الأكثر في أحوالها عند الطيران فناسبه الاسم الدال على الثبوت وجيء في وصفهنَّ بالقبض بصفة المضارع لدلالة الفعل على التجدد … ونظيره قوله تعالى في الجبال والطير: (يسبحن بالعشي والإشراق والطيرَ محشورة) (ص: 18،19) لأن التسبيح في وقتين والطير محشورة دائماً (12)، فالأصل في الطيران هو صفّ الأجنحة مشبهاً الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل مدّ الأطراف وبسطها والقبض طارئ فجيء بما هو طارئ غير أصلٍ بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة كما هو كائن من السابح كما قال الزمخشري (13)، واختاره الكثير من المحدثين (14)، ويجب أن لا يفهم من هذا الكلام أن الأصلية والفرعية في الأحوال قد فُهمت من اختلاف البنية بين الاسمية والفعلية، وإنما أفاد التعبير من التقديم والتأخير في الوصف، وإلا فالبنية لا تدلّ إلا على التجدّد أو الثبوت لا غير. ومما يندرج تحت هذا المبحث قوله تعالى: (ويلٌ لكل همزةٍ لمزةٍ) (الهمزة: 1) فالإخبار بالرفع إيذان بالاسمية ليكون بذلك العذاب بلا انقطاع ولو كانت الجملة فعلية لدلّ على عدم ثبات العذاب لذلك قال تعالى في نهاية السورة: (إنها عليهم مؤصدة في عمدٍ ممدة) (الهمزة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير