تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بينات من الهدى والفرقان]

ـ[أبو علي]ــــــــ[12 Nov 2004, 12:37 م]ـ

الحمد لله رب العالمين

لله الأسماء الحسنى، وكل صفات الجمال وصفات الجلال علمها الله للإنسان بأن جعل لها مثلا في الإنسان نفسه، فلكي نعلم معنى الرحيم فإنه يقتضي أن يوجد في الإنسان هذه الصفة وكذلك الكريم والسميع والعليم ...

وهكذا كل الصفات.

وإذا أردنا أن نفهم صفة من صفات الله فإننا نأخذ أعلاها وأحسنها مثلا عند الإنسان، فمثلا: إن أعلى مثل للرحمة عند البشر هي رحمة الوالدين، فهي التي تصلح أن يضرب بها المثل لرحمة الله، ليس على سبيل التشبيه وإنما على سبيل التعظيم، فرحمة الله أعظم من رحمة الوالدين.

نتناول اليوم صفة (الخلق) فالله تعالى هو الخالق، وهذه الصفة أوجدها في الإنسان، والله تعالى هو أحسن الخالقين، فإن كان الإنسان يخلق فإنه يخلق من مادة موجودة، والله يخلق من عدم، والله يخلق ويهب الحياة لمخلوقه، أما غير الله فإنهم إن خلقوا فإنهم يخلقون أشياء جامدة لا روح فيها.

فكيف نفهم قضية خلق الله للإنسان وأي مثل أعلى ندرك به آيات الله المتعلقة باسمه (الخالق)؟

في مثل هذه المسألة فإن القاعدة الحكيمة والطريقة المثلى لقضية الخلق عند الإنسان هي التي يجب أن تتخذ مثلا أعلى لندرك بها آيات الله في الخلق.

ما هي كيفية الخلق عند الإنسان؟

قاعدة الخلق عند الإنسان هي: وجود الغاية أولا، ثم خلق النظرية،

ثم تطبيق النظرية واقعيا.

فالذي صنع السيارة وجدت الغاية عنده أولا وهي: نية إيجاد آلة للركوب، فخلق النظرية بأن قام بالتخطيط وعمل الرسم الهندسي للسيارة وبعد ذلك طبق الرسم الهندسي فجاءت السيارة كما أرادها ورسمها هندسيا.

والذي بنى قصرا، وجدت الغاية أولا ثم شرع في الوسيلة حيث قام برسم المخطط المعماري وعمل مجسما صغيرا للقصر ثم شرع في البناء ليكون القصر بعد إتمام بناءه مطابقا للرسومات وللمجسم.

إذن فهذه هي قاعدة الخلق عند البشر:

1) وجود الغاية.

2) خلق النظرية.

3) تطبيق النظرية.

فهل ندرك بهذا آيات الله في الخلق؟

نعم.

أما الغاية فهي قوله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة).

وأما النظرية فهو: خلق آدم من تراب، ثم نفخ الروح فيه، ثم تعليمه. ثم تكليفه واختباره.

وأما تطبيق النظرية: فإن جميع المراحل التي مر بها آدم عليه السلام (من خلقه إلى اختباره) يجب أن تطبق في كل نفس بشرية، وتطبق أيضا عبر آفاق الزمن الذي تعيشه البشرية على الأرض. أي أن آدم هو النمودج الذي يجب أن تطبق قصته في حياة كل فرد والحياة الدنيا التي قدرها الله لتاريخ البشر على الأرض يجب أن تكون على نمودج قصة آدم.

وبالفعل كل نفس بشرية تمر بنفس مراحل آدم، فالإنسان خلق من نطفة أصلها وتسلسلها من آدم الذي هو من تراب، ثم بعد أن يصير جنينا تنفخ فيه الروح كما نفخت في آدم، ثم بعد ذلك يخرج إلى الوجود أميا فيتعلم كما تعلم آدم (وعلم آدم الأسماء كلها)، وبعد أن يبلغ الإنسان سن الرشد ويكتمل إدراكه فإنه يصبح مكلفا ويجري عليه القلم ليدخل مرحلة الاختبار كما دخلها آدم وحواء، والشيطان يزين للإنسان حب التملك والبقاء كما زينه لآدم وحواء في جنة الاختبار.

وهذه المراحل نفسها يجب أن تتحق في آفاق تاريخ الحياة البشرية.

أما خلق آدم من تراب فتاريخ البشرية ابتدأ بآدم الذي أهبط إلى الأرض، وأما المرحلة الثانية التي هي (ثم نفخ فيه من روحه) فتحققت في عيسى عليه الصلاة والسلام، وأما تكريم الله لأدم وسجود الملائكة له حينما نفخ فيه الروح، فقد كرم الله (الروح) عيسى وأيده بروح القدس وكان وجيها عند الله في الدنيا والآخره ورفعه الله إليه (وفي ذلك رفعة وتشريف) وآتاه البينات.

إذن فالتاريخ البشري من آدم إلى عيسى هو المرحلتين التي مر بها النمودج الأول آدم = خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (بنفخه الروح فيه).

المرحلة التالية التي يجب أن تتحقق في التاريخ البشري هي (وعلم آدم الأسماء كلها) فبعد أن نفخ الله الروح في آدم صار إنسانا حيا إلا أنه أمي لا يعلم شيئا، فعلم الله آدم إلى أن استوى إدراكه وبين له الله الخير والشر، والرشد من الغي.

ولقد عرف التاريخ البشري هذه المرحلة التي مازلنا نعيشها إلى زمننا هذا، فآدم الذي صار إنسانا أميا بعدما دبت فيه الحياة بنفخ الروح فيه محتاج إلى التعليم، فكان محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي ضرب مثلا لمرحلة آدم (وعلم آدم الأسماء كلها) التي جاءت بعد مرحلة (ونفخ فيه من روحه) التي ضرب عيسى صلى الله عليه وسلم مثلا لها. وكان أول ما نزل من القرآن هو قوله تعالى: إقرأ باسم ربك الذي خلق .... علم الإنسان مالم يعلم).

ومازالت البشرية منذ البعثة النبوية إلى زمننا هذا تعيش مرحلة آدم (مرحلة العلم) = علم الإنسان مالم يعلم)، فإذا بلغت الإنسانية سن الرشد فإن الله سيبين لهم آياته فيدركوا أن الدين الحق هو الإسلام، ومتى تم ذلك وتبين للناس الرشد من الغي فإن المرحلة التالية هي مرحلة الاختبار، فكما اختبر آدم بعد أن علمه الله وأغواه الشيطان فقال له: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى، كذلك سيأتي الدجال ليقول للناس: أنا ربكم فاتبعوني لتكون لكم الحياة الأبدة والملك الذي لا يبلى.

هذا ما أدركناه من آيات في قضية الخلق، ولقد اهتدينا لها انطلاقا من القاعدة المثلى لقضية الخلق عند البشر، ولأن الله ما أثبت لعباده صفة (الخلق) ووصفهم ب (الخالقين) إلا لأن قاعدة مسألة الخلق سليمة وهو الذي ألهمهم إياها.

قال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ألم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير