تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اختلاف بنية المفردة القرأنية (2):]

ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[15 Aug 2004, 07:37 ص]ـ

[اختلاف بنية المفردة القرأنية (2):]

ثانياً: أبنية الأسماء في التعبير القرآني:

أولاً: اختلاف صيغ الوصف:

قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) (الإنسان: 3) فجمع في الآية بين (الشاكر) و (الكفور) ولم يجمع بين (الشاكر) و (الكافر)، أو بين (الشكور) و (الكفور)، فلا بد إذن من اختلاف في المعنى أوجبه الاختلاف في اللفظ فـ (ـالمعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ) (1). ويمكن أن يوجه الاختلاف في استخدام اسم الفاعل هنا (شاكراً) لأنَّ الإنسان إذا كان مؤمناً فسيتجدَّد منه الشكر في كلِّ وقتٍ بعكس الكفر فإنه واحدٌ لا يحتاج إلى تجديد، لأن مذهب الكوفيين في اسم الفاعل أنه فعل دائما، وجعلوه قسيم الماضي والمستقبل، أما البصريون فذهبوا إلى أنه اسم دال على الحدث والحدوث وفاعله (2)، ومرد هذا الخلاف إلى تغيير وظيفة اسم الفاعل بتغيير الاستعمال فـ (ـإن أردت به معنى ما مضى فهو بمنزلة قولك: غلام زيد ... كذلك اسم الفاعل إذا كان ماضياً لا تنونه لأنه اسم وليست فيه مضارعة الفعل، فإن جعلت اسم الفاعل في معنى ما أنت فيه ولم ينقطع أو ما تفعله بعد ولم يقع جرى مجرى الفعل المضارع في عمله وتقديره لأنه في معناه) (3).

وقيل جُمِعَ بينهما على هذه الصورة نفياً للمبالغة في الشكر وإثباتاً لها في الكفر؛ لأن شكر الله تعالى لا يُؤدّى فانتفت عنه المبالغة ولم تنتف عن الكفر المبالغة، فَقَلَّ شكرُه لكثرة النعم عليه، وكثُر كفره وإن قلَّ مع الإحسان إليه (4).

وقد يكون الاختلاف في صيغ الوصف بين آيتين كما في قوله تعالى: (فقال الكافرون هذا شيء عجيب) (ق: 2) وقال تعالى: (اجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب) (ص: 5) يقول ابن قتيبة: (عُجاب وعجيب واحد مثل طوال وطويل وعُراض وعريض وكبار وكبير) (5) وذكر الصّبان أن المبالغة تفيد التنصيص على كثرة المعنى كماً أو كيفاً ولكن هل هي مستوية في المعنى أو متفاوتة بأن تكون الكثرة المستفادة من (فعال) مثلاً أشد من الكثرة المستفادة من (فعول) مثلاً فذكر: أنه لم ير نقلاً في ذلك وقد يؤخذ من قولهم ((زيادة البناء تدل على زيادة المعنى)) أبلغية (فعّال) و (مفعال) على (فعول) و (فعيل) وأبلغية هذين على (فعل) (6) وقد ذهب العسكري إلى استحالة اختلاف اللفظين - في لغة واحدة - والمعنى واحد كما ظنَّ كثير من النحويين واللغويين (7)، فقد عدل التعبير القرآني من (عجيب) إلى (عُجاب) وذلك أنَّه تدرج في العُجْب بحسب قوته، ففي الآية في سورة (ق) ذكر أنهم عجبوا من أن يجيء منذرٌ منهم فقالوا: (هذا شيء عجيب) أما في سورة (ص) فقد كان العجب عند المشركين أكبر وأكبر، إذ كيف يمكن أن يؤمنوا بوحدانية الإله ونفي الشرك وهم قوم عريقون فيه؟ وهم قد استسهلوا أن يحملوا السيف ويعلنوا الحرب الطويلة على أن يقرّوا بهذه الكلمة فالقتل عندهم أيسر من النطق بكلمة التوحيد ولذا كان العجب عندهم أكبر وأكبر فجاء بأن واللام وعدل من (عجيب) إلى (عُجاب) وذلك أنّ (فعال) أبلغ من (فعيل) عند العرب فـ (طوال) أبلغ من (طويل) (8)، قال تعالى: (ومكروا مكراً كُبّاراً) (نوح: 22) (أي كبيراً يقال: كبير وكُبار وكُبّار، كما يقال: طويل وطُوال وطُوّال) (9)، (بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد) (10)، وليس كذلك فهو مبالغة في الكبير فأول المراتب الكبير والأوسط الكبار بالتخفيف والنهاية الكُبّار بالتثقيل (11) فلما كان التوحيد أعظم المراتب لا جرم كان المنع منه أعظم الكبائر؛ فلهذا وصفه تعالى بأنه كُبَّار (12)، فالعرب قد تحوّل لفظ (كبير) إلى (فُعال) مخففة ويثقلون ليكون أشد من (الكبار) وكذلك (جُمّال) جميل لأنه أشد مبالغة (13) ويبدو أن معنى المشاكلة الذي تقدم مراعى هنا فـ (ومكروا مكراً كُبّارا …) كهيئة قوله: (لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً) (14).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير