تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مع أغلى كتاب (جولات في سورة يوسف9)]

ـ[د. محمد مشرح]ــــــــ[21 Sep 2004, 07:48 ص]ـ

9

أ"صبره عليه السلام"

" في قصة يوسف عليه السلام ألوان من الشدائد في الجب،وفي بيت العزيز، وفي السجن. وألوان من الا ستيئاس من نصرة الناس " () وفيها ألوان من المغريات،وفتن الاغراءات أكبر من المحن الأخرى؛لأن المحن الأخرى يكون المبتلى بها أحيانا مرغما، ودوره فيها إما التسليم، وقول الراضي بذلك، فيكون ممن صبر وأجر على ذلك على حسب نيته، وإما أن يتسخط ولا يلتزم القول المعروف وبالتالي يكون من الذين لايلتزمون الصبر،ولايحبسون أنفسهم في مواطن الشدة والبلاء؛ فيأثم ويجمع بين البلاء النازل به والإثم الذي نتج عن عدم صبره {فمن رضي فله الرضاء ومن سخط فله السخط} ().

أما بالنسبة للمغريات فإنه لايصبر عليها إلا أولو العزم، ولايصبر عليهاإلا أولو الورع الجمّ والإحسان الذي استوى عندهم الخلوة والجلوة، ومراقبة الناس وعدمه؛ فهم يدَعون المغريات مع توقان النفس إليها، واختيارهم الحر لها.

وقد اجتمع ليوسف عليه السلام الصنفان من الصبرفخرج منهما غانما منتصرا. ويأتي رسم الشخصيات في القصة كلون من ألوان التصوير الفني" ()

الذي يصور الشخصية بهيئتها من خلال أقوالها وأفعالها وتصرفاتها في ثنايا سيرتها فتبدو كأنها ماثلة للعيان " والفني مأخوذ من الفن

" والفن من منظور إسلامي هو التعبير الجميل الحي عن الحياة،وإبراز جوانب الإبداع فيها؛ بالكلمة، والصورة؛بحيث يدعم القيم السامية، والفضائل العالية، ويشبع روح المحبة والمودة، وينمي في الناس المشاعر الجميلة." ()

إن يوسف عليه السلام بدأ محنته يوم فارق أباه وخلى به أخوته حيث بدأ أذاهم ينهال عليه بمحرد أن غاب عن عين و الده. ونأى صو ته المستغيث عن أذنيه، وكان كما تقول الروايات () كلما استجار بأحد منهم استقبله بالضرب الشديد حتى كادوا أن يقضوا عليه لولا أن الله هيأ له أخاه الأكبر ينافح عنه ويذكرهم بالاتفاق الذي وقع بينهم بعدم قتله، ثم جردوه من ثيابه وألقوه في الجب إلقاءً ثم يناديه بعضهم بعد أن أصبح بعيدا عن أعينهم لبعد قعر البئر؛ ليتأكدوا هل مات من أثر الإلقاء فيجيبهم ظنا منه أنهم قد رقوا له فإذا بحجر يتبع الصوت أريد به أن يقضي على يوسف عليه السلام. ولكن أخاهم الكبير يعاتبهم على تصرفاتهم التي تكاد أن تعصف بالاتفاق الذي كان بينهم وهذه هي طبيعة اليهود ومن يقتدي بهم ويتخلق بأخلاقهم تلك أول الشدائد التي تسدعي صبرا كالجبال؛ فهذا السن لايصبر صاحبه على فراق الأبوين مجرد فراق فكيف الحال وقد أسكن بئرا عميقا مظلما لاأنيس فيه ولاطعاما ولا ثيابا يقي جسمه من عوادي الحر والقر؛ وبخاصة إذا جن الليل فإن كل ذلك كفيل بأن يجعله يفقد جَنانه لولا لطف الله تعالى به وهذا يصور لنا مقدار الصبر الذي أُعطيه من الله سبحانه وتعالى. فأوحى الله تعالى إليه -وهو في هذه الحال يطمئنه -بأنه سينتصر عليهم فى النهاية وأنه سينبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون.

وعندما يتعرض لكيد النسوة ويخشى من فتنتهن يفضل السجن كما حكى الله تعالى عنه ذلك فقال تعالى {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)} ()

ودخل يوسف عليه السلام السجن بريئا؛ كما أتهم بريئا، وكما اعتدى عليه أخوته بريئا حين فرقوا بينه وبين أبيه وأمه،وقاسى الفراق و الحزن سنين طويلة، ومكث في السجن بضع سنين صابرا محتسبا فارا من الفتنة؛ إنها نفس أبية لأتقبل أن تدّنس بالمعاصي والسيئات ولا تتلوث بما تتلوث به كثير من النفوس الضعيفة التي تقبل الدنيئة في دينها من أجل عرض من الدنيا قليل ومن أجل متعة ذاهبة. تلك النفس التي تستطيع حمل الحق ومواجهة الخصوم دون أن تلين لهم قناة حتى يظهر الحق أويهلك دونه تلك النفوس التي هجرت الراحة والنوم والبذخ في القصور وبين الغانيات وهن يخطبن ودها واختارت الحياة تحت أقبية السجون بعيدا عن الشمس والهواء الطلق والانطلاقة الحرة.تلك هي النفوس التي لايصدها كيد الأعداء وهم يتفنون في صنع الفتن المختلفة في طريق الحق لتدعه، ولتتنحى عن المضي فيه. ماأحوج الخطاب الإعلامي أن يأخذ من سيرة أولئك العظماء مايخاطب به الأمة الحيرى التي ذاقت مرارة الذل من أذل خلق وجدوا على ظهر الأرض لأن النفوس ضعفت عن أن تحمل الحق وتذود عنه. ولا يمكن ان ترقى إلى معالي الأمور.

بل تهبط إلى سفاسفها؛ فيصعب عليها أن تتخطى العقبات وتقهرها، والكلمة قضية وموقف عقدي لن تؤدي نجاحا إعلاميا إلا إذاانطلقت من هذا المنطلق لأنها الجامعة تجمع حينئذ بين القوة والأمانة ()،ولله در الشاعر الذي صور المعنى المراد والنفوس التي تحمله فقال:

كل بذل إذا العقيدة ريعت

دون بذل النفوس نزر زهيد

مسلم ياصعاب لن تقهريني

صارمي قاطع وعزمي حديد

لاأبالى وإن أقيمت بدربي

وطريقي حواجز وسدود

فأنا النار حين يطغى ظلام

وأنا النور حين يطفو الجليد

ولديني أحيا وأبذل روحي

ولمصباحه دمائي وقود ()

إن للصبر قيمته في ميدان الحياة ... ولأهميته فإن عدد الآي التي تحدثت عنه تقرب من التسعين آية ...

10

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير