تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اختلاف بنية المفردة القرآنية (3)]

ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[17 Aug 2004, 09:59 م]ـ

ثالثاً: أبنية الأفعال:

أ - الفعل بين التجرد والزيادة:

قال تعالى: (ثمَّ أماته فأقبره) (عبس: 21) ولم يقل فقبره فما الفارق بين (فقبره وأقبره) ولماذا عُدِلَ عن فقبره إلى الفعل المزيد فأقبره، عُدل هنا لأن فعل (قبره) يدلَ على الذي يواري بالفعل (1)، أما أقبره فجعله ذا قبر وهو أخص من معنى قبره أي أن الله سبب له أن يُقبر وكذلك فإن الإقبار تهيئة القبر ويقال:أقبره أيضاً إذا أمر بأن يدفن (2)، أو علّم الموجودين أن يقبروه (3)،وأقبر الميت إذا أمر غيره بأن يجعله في القبر (4)، قال تعالى: (فبعثَ اللهُ غراباً يبحثُ في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه) (المائدة: 31)، ولا يليق أن يقال: (فقبره) وينسب فعل القبر إلى الله تعالى فضلاً عن مخالفته للحقيقة، فتعين قوله تعالى (فأقبره) لما دلت عليه الزيادة من معنى، ومثل هذا قوله تعالى: (ثم إذا شاء أنشره .. ) (عبس: 22) فالانشار هو المناسب هنا لأنه خاص بإخراج الميت من الأرض حياً وهو البعث أما نشر فيقال نشر الثوب إذا أزال طيّه وينشر الصحيفة إذا فتحها ليقرأها (5).

أما بالنسبة للتجرد فالقرآن قد يحذف أحد حروف بنية المفردة كما تفعل العرب غير أنه يوظف هذا التجريد توظيفاً عجيباً وبما يتلائم مع حاجة السياق تماماً، وهذا واضح جداً في (كان) في القرآن كله فكل ما جاء في القرآن منها محذوف حرفٍ مثل (أكُ أو تكُ أو نكُ) إنما جاء بعد نفيٍ وهو الغالب أو بعد شرطٍ بـ (إن) أحياناً (6)، ومما ورد من هذا قوله تعالى: (قالوا لم نكُ من المصلين ولم نكُ نُطعم المسكين) (المدثر: 43 – 44) وقوله تعالى: (ألم يَكُ نطفةً من منيٍ يُمنى) (القيامة: 37) فالمشركون في سورة المدثرنفوا أنهم كانوا من المصلين وأتو بـ (نَكُ) وكان في القول متسعٌ لـ (نَكُن)، وكأنهم نفوا عن أنفسهم أي صلاةٍ مهما كان حجمها وكذلك في إطعام المسكين، ولما كانت آية القمر مما تدل على تقليل اصل الإنسان الذي خلق منه (7) ناسب أن يؤتى معها بالفعل على هذه الصورة من التجريد، لا سيما وقد جاءت (من) التبعيضية في كلا الآيتين، ومن تجريد الفعل من الزيادة قوله تعالى: (عَبَسَ وتولّى أن جاءَهُ الأعمى) (عبس: 1 - 2) فلم يقل تعالى: عبَستَ وتوَليتَ؛ لأن هذه الزيادة ستحدد الفاعل حتى لا يعرض الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى ضمير المواجهة (8)، وفي هذا ملاطفة للرسول (صلى الله عليه وسلم) في الخطاب وهو كثير في القرآن.

ب - اختلاف أحرف الزيادة:

قد تختار المفردة بأحرفِ زيادةٍ معينة لتكون مصدرة في صيغة واحدة لأكثر من معنى وصورة قال تعالى: (عمَّ يتساءلون) (النبأ: 1) فالتساؤل:تفاعل وحقيقة صيغة التفاعل أن تفيد صدور معنى المادة المشتقة منها من الفاعل إلى المفعول وصدور مثله من المفعول إلى الفاعل، وترد كثيراً لإفادة تكرر وقوع ما اشتقت منه نحو قولهم: سَاءَل بمعنى سأل قال النابغة (9):

أسَائِل عن سُعْدى وقد مرّ بعدَنا على عرصاتِ الدارِ سَبْعٌ كوامِلٌ

وتجيء صيغة (فاعَل) كذلك لإفادة قوة صدور الفعل من الفاعل نحو قولهم: عافاك الله وذلك إما كنايةً أو مجازاً، ومحمله في الآية على جواز الاحتمالات الثلاثة وذلك من إرادة المعنى الكنائي مع المعنى الصريح أو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه وكلا الاعتبارين صحيح في الكلام البليغ فلا وجه لمنعه، فيجوز أن تكون مستعملةً في حقيقتها بأن يسأل بعضهم بعضاً سؤال متطلع للعلم لأنهم حينئذٍ لم يزالوا في شكٍ من صحة ما أُخبروا به ثم ظل إنكارهم على هذا، ويجوز أن تكون هذه الصيغة مستعملة في المجاز الصوري فهم يتظاهرون بالسؤال وهم موقنون بانتفاء ما يتساءلون عنه وعلى هاتين الطريقتين كانت مذاهب المفسرين والوجه أن تُحمل الآية على كليهما لأن المشركين كانوا متفاوتين في التكذيب بين مصدّق ومكذب عندما كانوا يتحدثون بينهم كما يقول ابن عباس (10) وغيره (11)، فجاءت هذه اللفظة مصورة لأحوال الناس بكل دقةٍ وشمول وبأوجز لفظٍ وأعذبه وهذا غاية الفصاحة والبلاغة. ومن الزيادات التي دلت على معنى التشارك والتفاعل أيضاً ما جاء في قوله تعالى: (وتواصوا بالحقِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير