[السحر في القرآن الكريم]
ـ[طارق مصطفى حميدة]ــــــــ[31 Aug 2004, 05:30 م]ـ
السحر في القرآن
* طارق حميدة
لعل أول ما يلاحظه قارئ القرآن الكريم، هو ذلك الارتباط الوثيق بين السحر والفرعون، بل واجتماعهما معاً في حرب الدين، وهو ما يؤكده السحرة أنفسهم عندما واجهوا فرعون بالقول إنه قد (أكرههم) على السحر منذ زمن بعيد سابق ليوم المبارزة مع موسىعليه السلام: (إنا آمنا بربنا ليغفر خطاينا وما أكرهتنا عليه من السحر.) إذ يبدو أن الفرعون كان ينتقي الفتيان الأذكياء ويأخذهم من أهاليهم ويدفعهم إلى من يعلمهم السحر ... ثم يفرقهم في المدائن ليقوموا بما "يلزم" لتثبيت حكمه ...
وقد لاحظنا كيف أشار الملأ على فرعون أن يبعث في " المدائن " حاشرين ليأتوه بكل سحار عليم ...
وكذلك فقد رأينا في الحديث الصحيح الذي يروي قصة أصحاب الأخدود، التلازم الوثيق بين السحر والملك، وكيف أن الملك حين احتاج إلى ساحر فانه ينتقي من رعيته من يشاء ليعلمه المهنة، يقول عليه السلام: (كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إليَ غلاما اعلمه السحر).
وإذا استعرضنا أنشطة وأعمال السحرة في تثبيت حكم الفرعون وحرب الدين فسنلاحظ الأمور الآتية:
أولاً: الإلهاء والتخدير:
ذلك أن حكم الفرعون يتسبب في ظلم الناس وهضم حقوقهم وانتهاك كرامتهم ... ومهمة السحرة أن يشغلوا الناس عن التفكير في واقعهم الأليم، ويجعلوهم يعيشون في غيبوبة تنسيهم ألامهم وتقعدهم عن العمل للتغيير، بما يقومون به من أعمال عجيبة وحركات غريبة.
ثانياً: الخداع وقلب الحقائق:
إن السحرة في الواقع لا يغيرون حقائق الأشياء، وإنما هم يخيلون للناس أنها تغيرت، وهو ما عبر عن القرآن الكريم في قوله تعالى: (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى)، وقوله أيضا (فلما ألقوا سحروا أعين الناس).
إن اقرب تشبيه لدور السحرة في واقعنا المعاصر، هو ما تقوم به الكثير من وسائل الإعلام في قلب الحقائق وتزييفيها، وإظهار الحق باطلاً والباطل حقاً، والهزائم انتصارات، والظلم عدلاً، والاستعمار تحريراً، والدين تطرفاًَ وإرهاباً، والمجون فناً، والإلحاد فكراً.
ثالثاً: تخويف الجماهير:
إن حبل الكذب قصير، ومهما نشط السحرة القدماء أو المعاصرون، في تزييف الحقائق، فإن الواقع أنصع حجة وأقوى بياناً، وإن عمق الجراحات، البدنية والنفسية والاقتصادية والسياسية، لأقوى من كل عمليات التخدير والإشغال والإلهاء.
ولذلك يقرر الفراعنة أن من لم يقنعه الزيف، ولم تسكته جرعات المورفين، يحتاج إلى الإرهاب والتخويف كيلا تسول له نفسه القيام بأي عمل ضدهم ... ويتحدث القرآن الكريم أن السحرة قاموا بإرهاب وتخويف الحاضرين حيث يقول تعالى: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم) أي استدعوا مشاعر الرهبة والخوف عندهم، حتى إن موسى عليه السلام قد تأثر- هو الآخر- بهذا المشهد: (فأوجس في نفسه خيفة موسى)
رابعاً: تفتيت الأسرة:
جاء في سورة البقرة أن السحرة يتعلمون (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) و الحقيقة أن ذكر هذا الأمر، دون سواه، يبرز خطورته الشديدة، حتى لكأنه ينبه إلى أن باقي الأمور التي يتعلمها السحرة بالمقارنة مع التفريق بين المرء وزوجه لا شيء.
وقد جاء في الحديث الشريف أن إبليس يبعث سراياه من الشياطين ليضلوا بني آدم، ثم يعودون إليه ليفتخروا أمامه كل بما صنع، فلا يرى لأحدهم إنجازاً - على الرغم من كبر إفسادهم وإجرامهم - حتى يأتيه من يقول إنه فرق بين زوجين، فيقول له: (نعم أنت، ويدنيه)!!.
وإذا ما جرى التفريق بين الزوجين فقد تفتت الأسرة، وما دامت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع فان تفككها يعني بالضرورة تفكك هذا المجتمع وتفتته ... وهذا ما يسعى إليه الفرعون الذي يريد المجتمع مفتتاً ليسهل عليه قياده، وشعار الفراعنة، أجنبيهم ووطنيهم - هو (فرق تسد). وقد حكى القرآن عن فرعون أنه (علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً)
وما تقوم به الكثير من المؤسسات والدوائر في أيامنا هذه لتفتيت الأسرة أوضح من أن يشار إليه.
خامساً: الإخراج من الأرض:
مما يستدعي الدهشة ويسترعي الانتباه تكرير السحرة وآل فرعون الاتهام لموسى وأخيه، عليهما السلام، بأنهما يريدان: إخراجهم من الأرض بسحرهما (إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما)، (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى).
فمن جهة يتبين القلق الشديد الذي يساور الفراعنة من أن الدعوة جاءت لتزلزل أركانهم وتقلب سلطانهم وتجعل الأرض تميد من تحتهم. ومن جهة أخرى فإنها تعكس ما يقوم به الفراعنة والسحرة من أعمال ومكائد ثم هم يلصقونها بموسى وهارون _عليهما السلام _ إنهم يتهموهما بالجريمة التي هم أنفسهم - الفراعنة والسحرة - متلبسون بها. وذلك كما يقول المثل العربي: رمتني بدائها وانسلت.
إن الفراعنة سواء كانوا محليين أو أجانب يقومون بسياسات تستهدف تفريغ الأرض من ساكنيها ... أو تفريغها من أصحاب الفكر والعلم فيما يسمى بتهجير الأدمغة، كيلا يبقى في البلاد عقول تفكر بتغيير الواقع السيئ، ولا شباب لديهم الهمة والعزيمة للتحرك في مواجهته.