من ذا (1) الذي يشفع (2) عنده (3) إلا بإذنه (4)] من ذا [اسم استفهام أو نقول:] من [اسم استفهام، و] ذا [: ملغاة، ولا يصح أن تكون] ذا [: اسماً موصولاً في مثل هذا التركيب، لأنه يكون معنى الجملة: من الذي الذي! وهذا لا يستقيم.
من ذا الذي يشفع
الشفاعة في اللغة: جعل الوتر شفعاً، قال تعالى:] والشفع والوتر [[الفجر: 3]. وفي الاصطلاح: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، فمثلاً: شفاعة النبي r لأهل الموقف أن يقضى بينهم: هذه شفاعة بدفع مضرة، وشفاعته لأهل الجنة أن يدخلوها بجلب منفعة.
عنده أي: عند الله.
إلا بإذنه
أي: إذنه له وهذه تفيد إثبات الشفاعة، لكن بشرط أن يأذن ووجه ذلك أنه لولا ثبوتها، لكان الاستثناء في قوله] إلا بإذنه [: لغواً لا فائدة فيه.
وذكرها بعد قوله:] له ما في السموات ... [يفيد أن هذا الملك الذي هو خاص بالله عز وجل، أنه ملك تام السلطان، بمعنى أنه لا أحد يستطيع أن يتصرف، ولا بالشفاعة التي هي خير، إلا بإذن الله، وهذا من تمام ربوبيته وسلطانه عز وجل.
وتفيد هذه الجملة أن له إذناً والإذن في الأصل الإعلام، قال الله تعالى:] وأذان من الله ورسوله [[التوبة: 3]، أي إعلام من الله ورسوله، فمعنى] بإذنه [، أي: إعلامه بأنه راض بذلك.
وهناك شروط أخرى للشفاعة: منها: أن يكون راضياً عن الشافع وعن المشفوع له، قال الله تعالى:] ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [[الأنبياء: 28]، وقال:] يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً [[طه: 109].
وهناك آية تنتظم الشروط الثلاثة] وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [[النجم: 26]، أي: يرضى عن الشافع والمشفوع له، لأن حذف المعمول يدل على العموم. فالشروط الثلاثة:-
1 - الرضا عن الشافع
2 - الرضا عن المشفوع له
3 - الإذن للشافع من الله تعالى
إذا قال قائل: ما فائدة الشفاعة إذا كان الله تعالى قد علم أن هذا المشفوع له ينجو؟
فالجواب: أن الله سبحانه وتعالى يأذن بالشفاعة لمن يشفع من أجل أن يكرمه وينال المقام المحمود.
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً، والله عز وجل] يعلم ما بين أيديهم [المستقبل،] وما خلفهم [الماضي، وكلمة] ما [من صيغ العموم تشمل كل ماض وكل مستقبل، وتشمل أيضاً ما كان من فعله وما كان من أفعال الخلق.
ولا يحيطون بشيء من علمه.
الضمير في] يحيطون [يعود على الخلق الذي دل عليهم قوله:] له ما في السموات وما في الأرض [، يعني لا يحيط من في السماوات والأرض بشيء من علم الله إلا بما شاء.
ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء يحتمل من علم ذاته وصفاته، يعني: أننا لا نعلم شيئاً عن الله وذاته وصفاته إلا بما شاء مما علمنا إياه ويحتمل أن (علم) هنا بمعنى معلوم، يعني: لا يحيطون بشيء من معلومه، أي: مما يعلمه، إلا بما شاءه، وكلا المعنيين صحيح وقد نقول: إن الثاني أعم، لأن معلومه يدخل فيه علمه بذاته وبصفاته وبما سوى ذلك.
يعني إلا بما شاء مما علمهم إياه، وقد علمنا الله تعالى أشياء كثيرة عن أسمائه وصفاته وعن أحكامه الشرعية، ولكن هذا الكثير هو بالنسبة لمعلومه قليل، كما قال الله تعالى:] ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [[الإسراء: 85].
وسع كرسيه السموات والأرض
وسع بمعنى شمل، يعني: أن كرسيه محيط بالسماوات والأرض، وأكبر منها، لأنه لولا أنه أكبر ما وسعها.
الكرسي، قال ابن عباس رضي الله عنهما "إنه موضع قدمي الله عز وجل"، وليس هو العرش، بل العرش أكبر من الكرسي وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: "أن السماوات والسبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة".
هذا يدل على عظم هذه المخلوقات وعظم المخلوق يدل على عظم الخالق.
ولا يؤوده حفظهما يعني: لا يثقله ويكرثه حفظ السماوات والأرض.
وهذه من الصفات المنفية، والصفة الثبوتية التي يدل عليها هذا النفي هي كمال القدرة والعلم والقوة والرحمة.
وهو العلي
] العلي [على وزن فعيل، وهي صفة مشبهة، لأن علوه عز وجل لازم لذاته، والفرق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل أن اسم الفاعل طارئ حادث يمكن زواله، والصفة المشبهة لازمة لا ينفك عنها الموصوف.
¥