وتواصوا بالصبرِ) (العصر: 3) فقد عُدِلَ عن (أوصوا) إلى (تواصوا) لما تحققه هذه المفردة بزيادتها من بيان إن النجاة من الخسران إنما تناط بحرص كل من أفراد الأمة على الحق ونزوع كلٍ منهم إلى أن يوصي به قومه ومن يهمه أمر الحق ليوصي صاحبَه بطلبه ويهمه أن يرى الحق فيقبله، فكأنه تعالى في هذه العبارة الجزلة قد نصّ على تواصيهم بالحق وقبولهم الوصية به إذا وجهت إليهم (12) ومن هذا الباب أي باب الزيادة قوله تعالى: (إذ انبعثَ أشقاها) (الشمس: 12) فانبعث (مطاوع بَعَثَ فالمعنى: إذ بعثوا أشقاهم فانبعث وانتدب لذلك) (13) فيكون تعالى بهذه الزيادة قد أدانهم جميعاً حيث بيّن الفعل بهذه الزيادة أنهم حرّضوه وأنه أجاب، لذلك جاء الضمير جمعاً في قوله تعالى: (فكذبوه فعقروها) (الشمس:) لأنهم مشتركون في الأمر جميعاً، والله تعالى أعلم.
ج - الفعل بين الإدغام وعدمه:
وقد جاء التعبير القرآني تارةً بالإدغام وأخرى من غيره وهذا حال التعبير القرآني الذي يستفيد من كل ظاهرة أسلوبية في كلام العرب وبحسب حاجة السياق وقد وظفت هذه الظاهرة الصوتية في التعبير القرآني بصورةٍ أعطت للنص القرآني خصوصيةً في الاستعمال من ذلك: استخدام الفعل يشاقّ ويشاقق بالفك والإدغام، فالإدغام يكون طالما ذُكِرَ الله وحده فإذا ذُكِرَ معه الرسول (صلى الله عليه وسلم) فُكَّ الإدغام قال تعالى: (ذلك بأنهم شاقّوا اللهَ ورسولَهُ ومن يشاقّ الله فإن اللهَ شديدُ العقابِ) (الحشر: 4) وقال تعالى: (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) (الأنفال: 13)، وقد تنبه لهذا الدكتور فاضل السامرائي وحاول تعليل هذا الاستخدام حيث ذكر (ولعله وَحَّدَ الحرفين وأدغمهما في حرفٍ واحد لأنه ذكر الله وحده وفكّهما وأظهرهما لأنه ذكر الله والرسول فكانا اثنين) (14)، وهذا التعليل غير مُطّرد مع أطّراد هذا الاستخدام في القرآن فقد قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى) (النساء: 115) فورد الفك دون ذكر الله ورسوله معاً وكان ابن الزبير قد علّلَ الفك في هذه الآية فقال: (إن الإدغام تخفيف وليس بالأصل فورد في النساء على الأصل ولم يقترن به ما يستدعي تخفيفه ولا سؤال في ذلك) (15) وعلل الآيتين الأخريين فقال عن آية الحشر (ذلك بأنهم شاقّوا الله ورسوله ومن يشاقّ الله .. ) بأن الماضي تقدم مُدغماً ولم يُسمع في الماضي إلا تلك اللغة، فجيء بـ (يشاقّ الله) بعدها مدغماً ليناسب بإدغامه الإدغام الأول في (شاقّوا الله)، وذكر أن قوله تعالى (… ومن يشاقق الله ورسوله) استدعاه داعيان:
أحدهما ما قبله من الإدغام
والثاني ما بعده من العطف المشبه للفك
فروعي البَعْدي ففكّوا الإدغام لأنّ البعدي أقوى في المراعاة، كما فعلوا في الإمالة، فلم يميلوا نحو مناشيط وما كان مثله مما تأخر فيه حرف الاستعلاء، وإن حالَ بينه وبين الألف حرفان ومع ذلك فإنه يمنع الإمالة، وليس كذلك في قوته المنع إذا تقدّم مع مائل. فكذا فعلوا فيما تقدّم فراعوا ما بَعُدَ فلم يدغموا؛ لأنّ مراعاة الأبعد عندهم أقوى من مراعاة المتقدم (16)، وعلى الرغم مما هذا التعليل من دقة نظرٍ إلا أن كلام الخطيب الإسكافي يبدو أقرب في تعليله الذي قال فيه: (إنّ الأصل في ذلك إذا قويت الحركة في القاف أن تُدغم ألا ترى أنّ من جوّز أردد مكان ردّ، وكانت لغته الإظهار متى حرَك الدال الأخيرة في قوله للاثنين رُدَا، وقوله للجميع ردّوا لم يبق إلا الإدغام ولم يجز أردوا ولا أرددوا ولا أرددي) (16)، وأضاف إن الحركة إنما قويت في القاف الأخيرة لتحركها بعد ملاقاتها ساكنٍ (اللام الأولى في الله) مثل إعْبُدِ الله، ولأن القاف لا يلاقي غير لفظة (الله) ساكنة الأول لذلك قويت الحركة لأنها لا تلاقي سواه مما علق الفعل به، أما في قوله تعالى: (ومن يشاقق الله ورسوله) فليس الأمر كذلك لأن القاف قد تلاقي ما يتعلق بها متحركاً، وهو (رسوله) لأنّ التقدير ... ومن يشاقق رسول الله فلم يخلص (القاف) - لما يتعلق به - للحركة، كما خلصت له في الأول، أما في قوله تعالى (ومن يشاقق الرسول ... ) فليس الساكن هنا في (الرسول) كمثله في (الله) لأنه قد يحذف فيصح لملاقاة القاف متحركاً منه نحو (ومن يشاقق رسول الله) فالذي أوجب الإدغام في سورة الحشر هو قوة الحركة في القاف، وقوتها أنها لا يصح أن تلاقي الاسم الذي بعدها إلا ساكناً لا يقوم مقامه متحركٌ في حالٍ والله أعلم (17).
الحواشي:
1) ينظر: المختار من تفسير القرآن 1/ 109، والقابر: الدافن بيده، معاني القرآن 3 / والطبري 30/ 56.
2) ينظر التحرير 30/ 124.
3) ينظر: المختار 1/ 109.
4) ينظر: تفسير القاسمي 17/ 6063.
5) ينظر: التحرير والتنوير 30/ 126.
6) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن 637 – 639.
7) على أحد قولين وسيأتي هذا.
8) ينظر: المختار 1/ 94 – 95.
9) الديوان 61.
10) ينظر: ابن كثير 4 وهو قول الحسن وقتادة.
11) ينظر: التحرير والتنوير 30/ 7 – 8.
12) ينظر تفسير القاسمي 17/ 6252 ونسبه بقوله (قال الإمام).
13) التحرير 30/ 373.
14) التعبير القرآني 19.
15) ملاك التأويل 1/ 353.
16) ينظر: ملاك التأويل 1/ 353.
17) درّة التنزيل 475.
18) ينظر: دّرة التنزيل 474 – 475. [/ align]
د. عامر مهدي العلواني
مدرس البلاغة والنقد في قسم اللغة العربية
جامعة الأنبار [/ size][/font]
¥