وقسم ليس لهم كتاب سماوي (الصابئين) ويدخل في هذه الكلمة كل الناس غير أهل القرآن وأهل الكتاب كالبوذيون والبراهمانيون والوثنيون وغيرهم، فالآية مؤكدة لكل الناس: من كان عنده إيمان فطري بالله واليوم الآخروعمل صالحا تحسبا لذلك اليوم فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، مثل هؤلاء هم الذين يهديهم الله للإسلام.
أما الآية:
المائده 5/ 69 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا
====================================
يجب أن ترفع كلمة (الصابئون) ولا يشملهما التوكيد ب (إن) لأن لأن التوكيد هنا يجب أن يخص المخاطب فقط، فسورة المائدة تخاطب المؤمنين وتخاطب أهل الكتاب، وهذم الآية جاءت بعد الآية 68 التي تقول: قل ياأهل الكتاب لستم على شيء ... )، ومن مقتضى البلاغة أن يؤكد الكلام فقط لمن يجب أن يؤكد له،والمخاطب هو الذي يجب أن يؤكد له الكلام، فالمخاطب هم (الذين آمنوا (المسلمون) والذين هادوا (اليهود)) فهؤلاء هم الذين عندهم في القران وفي التوراة هذا الأمر، أما الصابئين فليس الخطاب موجها لهم كي يشملهم التوكيد ب (إن) وإنما جاء الحكم بغير توكيد،وأما النصارى وإن كانوا من أهل الكتاب فقد جاؤوا بعد (الصابئون) ولم يشملهم التوكيد بإن لسبب سأذكره في الختام.
مثلا: حضر إلى المدرسة تلاميذ مجتهدون وتغيب الكسلاء، فخاطب المعلم من حضر من التلاميذ المجتهدين قائلا:
إن المجتهدين والكسولون من ذاكر جيدا فلا خوف عليهم.
هنا لا تعتبر كلمة (الكسولون) خطأ إذا نظرت إلى الجملة نظرة بلاغية فكأن معنى الكلام هو:
إن المجتهدين من ذاكر منهم جيدا فلا خوف عليهم، والكسولون من ذاكر جيدا فلا خوف عليهم.
فالكلام لا يؤكد إلا لمن يجب أن يؤكد له، فالمخاطب يجب أن يؤكد له، والغائب لا يؤكد له.
فالله تعالى أكد للمسلمين واليهود فهم المخاطبين لأن هذه القضية توافق ما معهم، أما الصابئين والنصارى فهم في حكم الغائب الذي لا يستلزم توكيد الكلام له.
إذن فمعنى الآية هو كما يلي:
إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
لكن هذا الأسلوب فيه تكرار لا يليق ببلاغة القرآن فجاءت الآية كما هي في القرآن ليفقهه أهل العلم باللغة.
وكان من الحكمة أن تتأخر كلمة (النصارى) لأنها لو جاءت قبل (الصابؤون) لما استطعنا أن نعلم إن كانت (النصارى) منصوبة بإن أم لا، لأن كلمة (النصارى) هي من الكلمات التي لا تتأثر بحركات الإعراب.
ومن الحكمة أيضا أن تأتي كلمة (النصارى) متأخرة لأن النصارى أبعد الناس أن يتحقق فيهم تلك الشروط (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا) فهم يؤمنون بالله كثالوث ويعتقدون أنهم على الحق، فمن السهل أن تقنع (صابئ) بوحدانية الله أما النصراني فمن الصعب أن يقتنع، فإذا أردنا أن نصنف الصابئين والنصارى فإن:
الصابئين يعتبرون: (لا يعلمون) من السهل أن يقتنع إذا علم.
النصارى يعتبرون: (جاهلون)، ليس معنى الجاهل هو الذي لا يعلم وإنما الجاهل هو الذي يعلم قضية خطأ ويحسب أنه على صواب، فهؤلاء هم الذين يصعب التفاهم معهم.
إذن فالذي لا يعلم أدعى أن يؤمن بإله واحد إذا علم بالدليل بينما الجاهل هو الذي يعتبر في ضلال بعيد، ولذلك جاءت كلمة (الصابئون قبل النصارى).
إذن فالنصارى هم أبعد الناس ضلالا، أخذوا المثل الأعلى في الضلال لأن ضلالهم هو الأبعد، صحيح أن البوذيين والهندوس والوثنيين وغيرهم يعتبرون ضالين، لكن إذا ذكرت كلمة (الضالين) على إطلاقها فالذين قالوا المسيح هو الله هم أبعد ضلالا.