تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وغير ذلك كثير مما دخل العربية من لغات متعددة وأفردت له مؤلفات كثيرة. غير أن بعض الكلمات الأعجمية استعصت على التعريب فظلت دخيلة لأنها احتفظت بصورتها التركيبية في لغتها الأصلية، منها كلمات دخلت العربية قبل الإسلام وبعده، خصوصا عندما ازدهرت حركة الترجمة؛ إذ اتجه المسلمون إلى ميادين العلم منذ القرن الأول الهجري، وحتى السادس نقلا وترجمة وتأليفا؛ فلقد قامت الدولة الإسلامية بعد استقرارها بحركة ترجمة واسعة ومنظمة، بدأت في العصر الأموي بفضل خالد بن يزيد، واستمرت حتى العصر العباسي بديوان الترجمة الذي أنشأه المنصور ووسعه الرشيد، ثم المأمون الذي أنشأ بيت الحكمة، فكان بمثابة مجمع علمي ومرصد فلكي ودار ترجمة ومكتبة عامة. وجرت الترجمة من لغات عدة تولاها مسلمون وغير مسلمين من ثنائيي اللغة. وكانت الثقافة اليونانية على وجه الخصوص النبع الذي اغترف منه العرب، فقد ترجموا كتب الفلسفة والرياضيات والطب والفلك. ومن ألمع المترجمين في ذلك الوقت حنين بن إسحق العبادي، وابنه اسحق بن حنين، ويوحنا بن ماسويه، وجرجيس بن بختيشوع.

ولقد طرحت حركة الترجمة ونقل العلوم في ذلك العهد قضية تطويع العربية لذلك، فلقد كان عليهم أن يستوعبوا معارف علمية جديدة كل الجدة، وكان عليهم أيضاً أن يؤدوها بلغة سليمة واضحة خصوصاً في الميادين العلمية البحتة، فكثرة كاثرة من الألفاظ في تلك العلوم ليس لها مقابل في العربية، وكانت اللغة العربية بالنسبة لأولئك النقلة وسيلة لنقل العلوم لاسيما أنها لغة حية ومتطورة تتلاءم مع الظروف والحاجات المستحدثة.

ولا أدل على حيويتها من اعتمادها على رصيد غيرها من اللغات عندما تدعو الضرورة، فالتأثر والتأثير شأن كل اللغات الحية، ولا يمكن للغة مهما بلغ ثراؤها أن تكون بمنأى عنه؛ لذلك فقد اعتمد النقلة الأوائل على الاقتراض من اللغات المختلفة، أبقوا بعضه في صورة الدخيل، والبعض الآخر طوعوه لأبنية العربية تعريبا، ساعد على ذلك طواعية العربية واتساع مناهجها الاشتقاقية، فازدادت اللغة ثراء ونمت بنمو العلوم الجديدة. ومن المصطلحات الدخيلة التي استعملوها، الاسطرونوميا وهو علم النجوم، والجيومطريا وهو علم الهندسة والأرتماطيقا وهو علم الحساب، وفيزيقا وهو علم الطبيعة، وباري أرمينياس وهو كتاب العبارة، و أنطولوقيا وهو كتاب القياس، و سوفسطيقي ومعناه التحكم، و ريطوريقي ومعناه الخطابة، و بيوطيقي ومعناه الشِّعْر.

فعندما استعصى عليهم العربي البديل لم يجدوا غضاضة في استعمال اللفظ الأجنبي معربا أو دخيلا في بادئ الأمر، حتى استقرت المفاهيم فيما بعد ومن ثم وضعت المقابلات التي نعرفها اليوم.

وما يصدق على تلك الكلمات في ذلك الزمن، يصدق على كل الكلمات المستحدثة التي جاءتنا مع المنتجات العصرية، فبما أننا نستورد السلعة فإنها تأتينا حاملة اسمها معها، فتنظر اللغة في رصيدها من الألفاظ محاولة إيجاد المقابل الذي يعبر عن الوافد الجديد إما حقيقة أو مجازا، ولهذا تُرجمت كثير من ألفاظ الحضارة بمقابلاتها، كالمذياع مع رواج الدخيل (راديو)، والطائرة والسيارة والقطار، والهاتف إلى جانب التليفون، والبرق والمصعد، والحاسوب والحاسب الآلي إلى جانب الكمبيوتر، والجّوال والمحمول إلى جانب الموبايل، أما ما استعصى على الترجمة أو تُرجم بمقابل لم يلقَ رواجا، فيبقى في صورته الدخيلة مثل (اللابتوب والآي بود)، أو يعرّب ولهذا جاء ت كلمة تلفاز معربة على وزن تفعال وجرى الاشتقاق منها على وزن (فَعللة) (تَلفزة) و (مُفعْلِل) (مُتلفز) بفتح الفاء وكسرها تعبيرا عن اسم المفعول واسم الفاعل، وبهذا فقدت تلفاز صلتها بلغتها الأصلية، ولو سمعها أجنبي فلن يفهم أنها نعني تليفزيون التي بقيت دخيلة في مستوى بنيتها فلم يحدث لها تغيير. وأما مقابلها المترجم (الرائي) فقد مات في مهده.

2 - قوله: (إن الثقافة العربية قائمة على مخالفة لغة الشارع) وما ذلك إلا لأن الشارع يطلق على ذلك الجهاز (تليفزيون) التي لايعترف بها المصححون؛ وذلك حسب الكاتب (تكريس للطبقية الثقافية. نوع من الهيبة، عدم السماح بالتشابه بين العلماء وبين الكتاب، هذه الطبقية الثقافية موغلة في القدم ... )!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير