تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما اتَّسمتْ الدراسات اللغوية في هذه الفترة بالاستقلالِيَّةِ والنِّظَامِيَّةِ , فأصبحت عِلمَاً قائماً بِذَاتِه , مُسْتَقِلاًّ نسبِيَّاً , إذ لا غِنَى لعِلْمٍ من العلوم عن العلوم الأخرى.

ومِن أهمِّ اللسانيين المُقارِنين في هذه الفترة ياكوب غريم (1785 – 1863م) الذي ألَّف كتاب (النحو الألماني) , والذي يُعَدُّ مؤسِّس اللسانيات الجرمانية؛ ففي هذا الكتاب يُقارِنُ بين اللغات الجرمانية.

كما ألَّف اللغويُّ الروسيُّ (فوستوكوف) أوَّلَ كتابٍ عن النظام الصوتي للُّغاتِ السَّلافيَّةِ في كتابه (بحوثٌ في اللغات السَّلافيَّة).

النظرية البيولوجية أو الطبيعية في اللسانيات لِـ (أوغِسْت شلايشر)

ظهرت نظرية (دَارْوِن) في النُّشُوءِ والارتقاء في منتصف القرن التَّاسِعَ عشر , وأحْدَثَتْ هذه النَّظريَّةُ وما قَدَّمَه دَارْوِن فيها من آراءٍ تأثيراً كبيراً في مُعاصِريه المثقَّفينَ , فأرادوا تطبيقها على العلوم الأخرى - ومن بينها اللسانياتُ - على يد العالِم الألماني (أوغست شلايشر 1821 - 1868م) الذي عمِلَ في مجالِ المقارناتِ اللغويَّةِ.

- رأى شلايشر – متأثِّراً بنظرية دارون – أنَّ اللغة كائنٌ حَيٌّ مُستَقِلٌّ عن الإنسان؛ فهي تُولَد وتعيش لفترة مُحدَّدَةٍ , ثم تَهَبُ الحياة لِلُغةٍ أخرى أحْدَثَ منها لتَحُلَّ محلها، فاللغة – إذاً - ذات شجرة سُلاليَّةٍ تُشبِهُ شجَرَةَ السُّلالاتِ البَشَرِيَّةِ.

- نظر شلايشر إلى اللغة على أنها فِكْرٌ مُعَبَّرٌ عنه بالأصوات.

- كما قام شلايشر بتصنيف اللغات في ثلاثِ مجموعاتٍ، آخِذَاً بعينِ الاعتبارِ اللغةَ الصَّرفيَّةَ لهذه اللغاتِ وهي كالتَّالي:

- اللغات العازلة: أو اللغات الجذريَّةُ، كاللغة الصينِيَّةِ التي يُعَبَّر فيها عن العلاقاتِ النَّحويَّةِ والوظائف التركيبِيَّةِ عن طريق ترتيب الكلام.

- اللغات اللصقيَّة: أو الإلصاقيَّة، كاللغة المَجَريَّةِ – على سبيلِ المثالِ - التي يُعَبَّر فيها عن العلاقات النَّحَوِيَّةِ بعناصِرَ لغويَّةٍ مختلفة كاللواصِق (سوابق , لواحق , مُقحَمات).

- اللغات التحليليَّةُ: أو المتصرِّفَة أو الاندماجِيَّة، كاللاتينِيَّةِ والعربِيَّةِ , وهي لغات مُعْرَبة يُعَبَّر عن المعاني النَّحويَّةِ فيها عن طريق عناصِرَ لغويَّةٍ تُضاف إلى الجذر، كما تتميز بوجودِ أدوات ربطٍ بين عناصِرِ التَّركِيبِ اللغويِّ.

لاقت هذه النظرية اهتماماً كبيراً , كما شكَّك فيها كثيرون , منهم (يوهان شميدت) , بينما دافع عنها تلميذه ماكس مولر (1823 - 1900م) , إلاَّ أنَّهُ لم يَتقبَّلْ أنَّ اللغةَ كائنٌ حيٌّ مستقلٌّ , بل أكَّدَ أنَّ اللغة مُتَّصِلَةٌ مباشرةً بعملية الكلامِ عند البشر.

مذهب هُمْبُوْلْدْتْ اللساني (نظرية رؤية العالَم من خلال اللغة)

يُعَدُّ (فيلهلم همبولدت 1767 – 1835م) أعظمَ لسانيِّي القرن التاسع عشر , كما يُعَدُّ مؤسِّس اللسانِيَّاتِ العامَّةِ، فقد درس همبولدت لُغَةَ جزيرَةِ جاوا الإندونيسيَّة، واهتمَّ بدراسة اللغة دراسَةً آنيَّةً وصفيَّة وليست تاريخيَّةً، كما أجرى مقارنة بين اللغات بطريقةٍ تحليليَّةٍ بعيداً عن قضيَّةِ القَرَابَة السُّلاليَّةِ أو الأُسريَّةِ بين اللغاتِ , كما لم يهتم – كما اهتم المُقارِنون – بإعادة بناءِ اللغةِ الأُمِّ , بل كان يرى أنَّ جميع اللغاتِ جديرَةٌ بالاهتمامِ , وليس اللغات الهندوأوروبيَّة فقط.

- من أهم أفكاره أنه عارضَ فكرةَ النَّحو الجامع , ورأى أنَّ القواعِدَ ينبغي أن تُسْتَنْبَط من الحقَائِقِ الخاصَّةِ بِكُلِّ لُغَةٍ على حدةٍ.

- كما رأى أنَّ اللغةَ ظاهرةٌ دِينَامِيَّةٌ مُتَحَرِّكَةٌ مُتَحَوِّلة، لا تستقرُّ على حالٍ واحدة وليست ثابتةً، وإنْ كانَ أبناءُ الجيلِ الواحِدِ لا ينتبِهونَ إلى هذه التَّغييراتِ الحاصِلةِ، فاللغةُ مُلازِمةٌ للمجتمعِ , فإذا تأخَّر المجتمع تأخَّرَتْ اللغة , وهذا يرتبط بالضرورة بالتفوُّق السياسي لأمة من الأمم؛ فالإنكليزية تنتشر اليوم لهيمنة أمريكا على معظم مناطق العالم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير