- اهتم همبولدت بالصِّلَةِ بين اللغَةِ والفِكر , فالنَّشَاطُ الذِّهنيُّ يُجاهِدُ بالضَّرُورَةِ لكي يَتَوَحَّدَ بظاهِرَةِ الصَّوتِ أو الكلامِ (أي الكلام المتحقق) , ومن دونِ الاتِّحَادِ بين الفكرةِ والصَّوتِ فإنَّهُ لا يُمكِنُ لِعَالَم الصُّوَر أنْ أن يَنْفَذَ إلى عالَم الأفكار، وهذا يعني – بالنِّسبةِ إليهِ – انعدامَ الفكرِ السَّليمِ.
- كما تُمَثِّلُ الصلة بين بُنْيَة اللغةِ والعقليَّةِ القوميَّةِ مكانَاً أساسِيَّاً في نظريَّةِ همبولدت اللسانيَّةِ , فاللغةُ عندَهُ نتاجٌ متميِّز لروح أمةٍ بعينها , والتعبيرُ الخارِجِيُّ عن البنيةِ الدَّاخِلِيَّةِ يكشِف عن رؤيةٍ خاصَّةٍ للعالَم , كما دَعَّمَ نظريَّتَهُ - القائلةَ بأن اللغةَ نتاجٌ متميز للرُّوحِ البَشَرِيَّةِ - عن طريقِ استدعائه لحقيقةِ أنَّ النَّاسَ يَجِدُونَ صُعُوبَةً في التَّفَاهُمِ , وأعادَ ذلك إلى عَدَمِ التَّطَابُقِ في رؤيتهم للعالم , وهذا ما نُطلق عليه مُصطَلَحَ النِّسبِيَّةِ اللسانِيَّةِ في اللغةِ لمدرسة همبولدت.
ويشيرُ هذا الجانب إلى عدم جدارَةِ اللغَةِ لأنْ تَكُونَ وسيلةً تَضْمَنُ الفَهمَ التَّامَّ الكَامِلَ المشتَرَكَ.
- كما يرى همبولدت أنَّ التَّغيرات اللغوية تؤدِّي دائماً إلى الهدف الأساسي الوحيد للُّغة , وهو وظيفةُ التَّوَاصُلِ , يقول همبولدت: (كل تَغَيُّر في اللغة يكون لصالح عملية التواصل اللغوي).
أُطْلِقَ على لسانيِّي القرن العشرين الذين أيدوا نظرية همبولدت اسم (الهمبولدتيون الجُدُد أو المُحْدَثون)، ومنهم: إِبْسِن , وترير , وفارتبورغ.
النزعة النفسية في اللسانيات (شتاينتال)
يمثِّل شتاينتال المذهبَ النَّفسِيَّ اللسانِيَّ , وهو لسانيٌّ ألمانِيٌّ استمَدَّ نظرِيَّتَهُ من نظريَّة همبولدت , وآراء العالِم النفسيِّ والتربويِّ (هِرْبِرْت).
- تبنَّى أفكار هربرت في النِّظام الاستدعائي للرُّوحِ البشرِيَّةِ , ويتمثَّلُ هذا النِّظامُ في أنَّ الأفكار التي يثيرها انطباعٌ خارجيٌّ تلقائيَّاً في العقل، فتنبثق فكرة عن أخرى وفقاً لتداعٍ غير مقصودٍ ولا شعوريٍّ.
- وصفَ شتاينتال الحقائق النحوية من مُنْطَلَق نفسي، ونقد فكرةَ شموليَّةِ المنطقِ في النَّحو.
- كما تبنَّى شتاينتال أفكار همبولدت عن اللغة ووسَّعها , فاللغة – في رأيهِ - تعبيرٌ عن نفسيَّةِ المجتمع , كما أنَّ الكلام الفردِيَّ تعبيرٌ عن نفسِيَّةِ الفردِ، فالكلماتُ لا تكتَسِبُ معناها الحقيقيَّ – في رأيِه - إلاَّ في اللَّحظَةِ التي تُقال فيها , فالمُتَكَلِّمُ يطبَعُ الكلِمَةَ بطابَعِ تَجرُبَتِه الذَّاتية، وقد أخذ هذه الفكرة الأخيرة بعده فوسلر.
مدرسة القواعديين الشباب أو النحاة الشباب
في سبعينيَّاتِ أو ثمانينيَّاتِ القرن التاسع عشر تَشَكَّلَ في اللسانيَّات الأوربيَّةِ - لاسيما في ألمانيا - اتجاهٌ لسانِيٌّ جديدٌ قام أنصارُهُ بنقدٍ حادٍّ لوجهات نظرِ اللِّسانِيِّينَ التقليديِّينَ , أو الجيل القديم من اللسانيين المُقارِنين أمثالِ (فرانز بوب) و (ياكوب غريم) و (أوغست شلايشر)، وبسبب هذا النقد الحاد أطلقَ مُمَثِّلو الجيلِ القديمِ من اللسانيِّينَ عليهم اسمَ القواعديين الشباب تهويناً من شأنهم، إلاَّ أنَّ هذه الجماعة سَعِدَت بهذه التسمية، وما زالت هذه التَّسميةُ تُستَخدَمُ حتَّى الآن عَلَمَاً على اللِّسانِيِّينَ الذين يتبَنَّوْنَ وجهة نظرهم وتصوُّرَاتهم المنهجيَّةَ، كما تُدعى هذه المدرسةُ أيضاً بمدرسةِ (لايبزيغ).
يرتبط ظهور هذا التيَّارِ اللِّسانِيِّ بأسماء كلٍّ من (كارل بروغمان) و (هِرمان باول) و (أوغست ليسكين) و (دِلبروك) و (أُسْتْهوف)، ومن أهمِّ أعلامِهم من بينِ هؤلاءِ (أوغست ليسكين) عالِم اللُّغَاتِ السلافيَّة، و (كارل بروغمان) عالم اللغات الهندوأوربيَّة.
قوبلت دراسة أوغست ليسكين – عالِم اللغات السلافية – (القوانين الصوتية لا تعرِفُ الشُّذُوذَ) التي نُشِرَتْ عام 1876م باهتمام واسع , كما عُدَّتْ دراسة بروغمان وأستهوف (بحوث صرفية) عام 1878م إعلاناً عن تأسيس المدرسة , وبياناً للعقيدة العلميَّةِ لهؤلاء النُّحاةِ الشَّبَابِ.
¥