- يعود إليهم الفضلُ في إضفاء الانضِبَاطِ التَّامِّ على المنهج التَّاريخي المُقارِن من خلال دراسة التَّغيُّرَات الصوتية وفقَ قوانينَ صارِمَةٍ لا تعرفُ الشُّذوذَ.
- كما أنَّهم أحالوا اللغةَ إلى ذرَّاتٍ (تذرير اللغة) من خلال الفحص الدَّقيق للتَّفَاصِيلِ التي تخصُّ اللغَةَ في كلِّ مراحِلِها , وحاولوا إيجاد تفسيرٍ مناسبٍ لكلِّ استثناءٍ من القواعد الصَّارمةِ التي حاولوا إيجادَها أو الخُرُوجَ عن قواعدها. وبذلك افتقدوا رؤيةَ الصُّورَةِ الكُلِّيَّة للبنيةِ اللغويَّةِ بوصفِها نِظَامَاً مُتَكَامِلاً مؤلَّفاً من الأصوات والألفاظِ والتَّراكِيبِ , إذْ لا يوجَدُ في اللغةِ شيءٌ قائم لذاتِهِ مُستَقِلٌّ عن غيره ولا يمكنُ رؤيتُهُ إلاَّ من خلالِ اتِّحادِهِ مع الأجزاءِ الأخرى المكوِّنةِ للكُلِّ.
- إلى جانب ذلك درس القواعديُّونَ الشَّباب تاريخ اللغة , ورأوا أنَّ المنهج التَّارِيخِيَّ في الدراسة يوفِّرُ أنسبَ معالَجَة منهجية تُحَقِّقُ الأهداف الرَّامية إلى المتابعة العمليَّةِ للمعرفة.
- عارض هِرمان باول الوصف البسيط للحالة اللغوية من دون الرُّجُوعِ إلى النَّظرَةِ
التَّاريخية , لذلك لم يسامحه لغويُّو القرن العشرين , ولا سيما أصحاب المنهج الوصفي لدراسة اللغة.
- اهتم هؤلاءِ القواعديُّونَ بمسألةِ اللغات الحيَّةِ , فقاموا بدراستها بمناهِجَ غيرِ ملائِمةٍ لدراسةِ اللَّهجاتِ لذلك لم يُحقِّقوا نتائجَ تُذْكَر في هذا المجال , وتعرَّضت مناهجهم المُتَّبَعة في دراسة اللهجاتِ لنقدٍ حادٍّ من جانبِ علماء اللهجات.
- أعطى هِرمان باول الأولويَّةَ للعامل النَّفسِيِّ بسبب اعتقادِهِ بوجودِ صِلَةٍ مباشرةٍ بين تطوُّرِ الثَّقَافَةِ وتطوُّرِ العالَم الدَّاخِلِيِّ للإنسان، كما أكد أهمية العامِلِ الفيزيولوجي في التَّغيُّرَاتِ اللُّغَويَّةِ , فالمرء يميل لاشعورياً إلى ما هو أسهل من الحركات النُّطقِيَّةِ لا شُعُورِيَّاً.
- كما أشار هرمان باول أيضاً إلى أهمية العوامل المناخية والجغرافية والاجتماعية في اللغة.
لم ينضمَّ جميعُ اللغويِّينَ الألمان إلى هذا التيَّارِ اللِّساني، فقد بقيَ الاتِّجاهُ القديمُ (اللسانيَّات التَّاريخيَّةُ المقارنة) سائداً في (غوتنجن) والتفَّ أنصارُهُ حولَ عالِمِ الإيتمولوجيا (فيك).
كما انضمَّ إلى هؤلاء اللسانيِّينَ من خارج ألمانيا (تومِسون) و (فيرنر) من اسكندنافيا , و (ميشيل برييل) من فرنسا , و (أسكولي) من إيطاليا , و (وِتنِي) من الولايات المتَّحدة الأمريكيَّةِ.
أما في روسيا فقد نظر كلٌّ من (فورتوناتوف) و (بودوان دي كورتيني) بعين الشَّكِّ إلى أفكارِ هؤلاء , وأشاروا إلى جوانب النَّقصِ في تيَّارِهم اللِّسانِيِّ.
البحث اللِّساني في القرن العشرين
شهد القرن العشرون تطوُّرَاً كبيراً في مختلف العلوم بعد أن تم اكتشاف الكثير من النظريات والآراء العلمية، إذ كانت قد حدثت في نهاية القرن التاسع عشر تطورات علمية كثيرة في مختلَف العلوم الطبيعية والأساسيَّةِ والنَّفسِيَّةِ. فخضعت هذه الحقائق العلميَّةُ لتفكيرٍ عميقٍ , وظهرت آراءٌ جديدةٌ تأخذُ بعينِ الاعتبارِ الطَّبِيعَةَ المعقَّدةَ للظَّواهِرِ العلمِيَّةِ.
لقد اقتنع العلماء في هذا القرن بأن العالَم مبنيٌّ وفق نظامٍ , فلكلِّ شيء نظامٌ , وكُلُّ ظاهِرَةٍ تسيرُ بِحسب نظامٍ دقيقٍ مُحَدَّدٍ، لأنَّ العالَم كلٌّ مُنَظَّمٌ. لذلك اتخذ العُلَمَاءُ شعاراً لهم ولعملهم المقولة التي تقول: (لكي نستكمل معرفتنا عن العالَم ينبغي أن نبحث عن بنية النظام) وسُمِّيَ هذا المنهج الذي اتَّبَعَهُ العلماء بـ (المنهجِ البنيوي) وبدأ عصرُ البُنيَوِيَّةِ في البحث العلمي، إلاَّ أنَّ هذا المنهج البنيوي الجديد في تناولِ الظواهر ودراستها تَعَرَّضَ لمقاومةٍ من جانب التَّقلِيديِّينَ.
¥