هي علم يقوم على أساسِ أنَّ تحليل أيِّ عنصرٍ مِن عناصر اللغة لا يتم بمعزِلٍ عن بقيَّة العناصر في النِّظامِ اللغويِّ. وهي (أي اللسانيات البنيوية) نظريَّةٌ تُطَبِّقُ المنهجَ الوصفِيَّ في دِرَاسَةِ اللغَةِ , فتَنْظُرُ إليها على أنها وحداتٌ صوتية تتجمع لتكوِّن وحداتٍ مورفولوجيَّةً (صرفيَّةً) لتكوِّنَ هذه بدورِها عباراتٍ وتراكيبَ وجملاً.
بلغت البُنيويَّةُ أوجَها في الفترة الواقعة بين (1925 – 1950م) وبذلك نستطيعُ القولَ إنَّ المدارس اللغوية منذ فرديناند دي سوسير وحتى تشومسكي تنتمي إلى اللسانيات البنيويَّةِ بصورةٍ أو بأخرى , لأنها جميعاً تؤمن بأنَّ اللغَةَ عبارَةٌ عن نظامٍ مِنَ العلاقات , لذلك سَمَّى اللغوي الفرنسي (جان بياجيه) نظرية تشومسكي في النَّحوِ التَّولِيدِيِّ والتَّحويلي باسم (البنيوية التَّحوِيلِيَّةِ).
تعود البنيويَّةُ في اللِّسَانِيَّاتِ إلى ما قبل عام 1930م في أوربا والولايات المتَّحِدَةِ، وتعني البنيوية - كما رأينا - منهجَاً جديداً في تناوُلِ حقائقَ معروفةٍ بالنَّظرِ إلى وظيفتها في النِّظَامِ كما تَنْظُرُ إلى الوظيفة الاجتماعية في اللُّغَةِ (الوظيفة التَّواصليَّةِ)، إلى جانب التَّمييز بين الجوانب التَّاريخية , وخصائصِ النِّظَامِ اللغَوِيِّ في لحظةٍ زمنيَّةٍ مُحدَّدَةٍ.
ظهر روَّادُ البنيوية في أماكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ في أوائل القرنِ التَّاسِعَ عشر , لكنَّ جُهودَهم كانت مُبَعثَرَةً , ولم تحظَ بالاهتمام عند معاصريهم حتى ظهر فرديناند دي سوسير الذي يُنظَرُ إليه على أنه مؤسِّسُ اللِّسانيِّات البنيوية، وتتلخص المقولات اللسانية عند دي سوسير فيما يلي:
1 - اللغةُ نظامٌ , وتُدرَسُ على أنها أجزاء من نَسَقٍ كُلِّيٍّ يُنظر إليها تبعاً لمكانها من النِّظَامِ.
2 - اللغةُ ظاهِرَةٌ اجتماعِيَّةٌ وظفتها التَّواصُلُ والتَّفَاهُم المُتَبَادَلُ , والارتباط بين الصَّوتِ والمعنى يجب أن يتولَّد في العقل , والعلامةُ اللغويَّةُ اعتباطيَّةٌ , والتطوُّرُ التَّارِيخِيُّ والحالَةُ الرَّاهِنَةُ للُّغةِ ظاهِرَتَانِ مُختَلِفَتَانِ , ولكُلِّ حالَةٍ منهَجٌ تدرَسُ به اللغةُ.
قامت اللسانيات البنيوية في أوربا على أساسِ أفكارِ دي سوسير. أمَّا في أمريكا فقد كان دي سوسير مجهولاً.
البنيويَّة الأوربيَّة
يمكن تقسيم البنيوية الأوربية إلى ثلاث مدارس، هي:
1 - مدرسة جنيف السويسرية
ويمثِّلُها دي سوسير , ويُطْلَق عليها اسم (البنيويَّةُ التقليديَّةُ) , وتأثيرها اليوم في اللسانيات محدودٌ، وتقومُ على الأسسِ التَّاليةِ:
- التَّفريقُ بين اللُّغَةِ والكلامِ.
- اللغةُ نِظَامٌ، والعلاقةُ بينَ الدَّالِّ والمدلولِ عُرفيَّةٌ ومُوَاضَعَةٌ.
- العلاقة بينَ الدَّالِّ والمدلولِ علاقةٌ رمزيَّةٌ، وعلمُ اللغةِ جزءٌ مِن علمٍ أشملَ وأعمَّ هو علم السيميولوجيا.
إضافةً إلى ذلك تُفرِّقُ هذه المدرسةُ بينَ نوعينِ من الدِّراسةِ اللغويَّةِ:
- الدِّراسة الآنيَّةُ أو التَّزامنيَّةُ.
- والدِّراسات التَّعاقبيَّةُ (الزَّمنيَّة).
كانت نظريَّةُ دي سوسير أقربَ إلى الوصفِ والتَّصنيفِ منها إلى التَّعليلِ والتَّفسيرِ، ورأى تشومسكي أنَّ هذه النَّظريَّةَ قاصِرةٌ عن تفسيرِ الظَّاهرةِ اللغويَّةِ بما لها مِن صلةٍ بالعمليَّاتِ العقليَّةِ والنَّفسيَّةِ عند الإنسانِ.
كانت أفكار دي سوسير متداوَلةً ومعروفةً في عصرِهِ، فقد كان الكثيرُ من أفكارِهِ معروفاً عند اللغوي بودوان دي كورتيني (1845 - 1929م) فقد نشر بودوان بحثاً حولَ الفونيم عام 1893م.
ويرى اللغوي الفرنسي جورج مونان أنَّ بودوان دي كورتيني هو الأبُ الحقيقيُّ لعلمِ اللغةِ البنيويِّ، وأنَّه هو الذي أرسى دعائمَ التَّحليلِ الفونولوجي مقابل التَّحليلِ الصَّوتيِّ المجرَّدِ، وهو مؤسِّسُ مدرسةِ كازان اللغويَّةِ التي استمدَّ منها دي سوسير أصولَ التَّحليلِ الفونولوجي.
2 - مدرسة براغ
¥