ويتَّخِذُ دي سوسير مَثَلَ الشِّطرنج للدِّلالَةِ على عَدَمِ ارتباط البُعْدِيْن الدَّاخِليِّ والخارجيِّ للُّغَةِ؛ ذلك أنَّ معرِفَة لاعب الشطرنج بشروط اللعبة وقواعِدِها لا تَزيد ولا تَنْقُص عندما يَعرِفُ أنَّ مصدر هذه اللعبة هو بلادُ فارِسَ.
3 - الدراسة التاريخية والدراسة الوصفية: يرى دي سوسير أنَّ اللُّغَة تُدرَسُ دِراسَةً وصفيَّة آنيَّةً يسميها (السينكرونية) , وتقوم على أساس ثابت (ستاتيكي) ليس للزَّمن دخلٌ فيه.
كما تُدرَس دراسةً تاريخية تعاقُبِيَّةً قائمَةً على أساس الحركة تبعاً للتَّغيُّر الزَّمني أو التَّطَوُّرِ التَّارِيخي للُّغَةِ.
الدراسة التاريخيَّة
العصر الجاهلي (الدراسة الوصفية للعصر الجاهلي)
العصر الإسلامي (الدراسة الوصفية للعصر الإسلامي)
العصر الأموي (الدراسة الوصفية للعصر الأموي)
العصر العباسي (الدراسة الوصفية للعصر العباسي)
.............
(الشكل 1)
يدلُّ السَّهم في أسفل المحور الرَّأسِيِّ على الدِّرَاسَةِ التَّارِيخيَّةِ , ويمكن تقسيم هذا المِحوَرِ بخطوطٍ أفقية توازي المحور الأفقي. إذ ترمز كل مسافة بين خطَّينِ أُفُقِيَّينِ لِمَرحَلَةٍ مِن مراحل عمر اللُّغة يُمكِنُ دراسَتُها دراسَةً وصفِيَّةً؛ وبالتَّالي لا يمكن أن نقوم بدراسةِ اللُّغَةِ دراسةً تاريخيَّةً إلاَّ بعد الانتهاءِ مِن الدِّرَاسَةِ الوصفِيَّةِ. فاللغَةُ في كُلِّ لحظَةٍ واقعٌ قائمٌ بِذَاتِه مِن جهةٍ , وتَطَوُّرٌ تاريخيٌّ مِن جِهَةٍ أُخرَى.
فلمعرفة التطور الذي أصاب اللغة العربية عبر العصور لا بدَّ لنا من أن نُشَرِّح اللغةَ إلى حِقَبٍ تاريخية معينة (العصر الجاهلي , الإسلامي، الأموي، العباسي، المملوكي، العثماني، الحديث) ثم نقوم بدراسة اللُّغَةِ في كل حقبةٍ دراسةً وصفيَّةً تفصيليَّةً تُوَضِّحُ خَصَائِصَها والتَّطَوُّرَاتِ التي طَرَأت عليها في كُلِّ مَرحَلَةٍ.
4 - اللغة والكلام: فرَّق دي سوسير بين هذا الثُّنائي الذي كان مترادفاً عند كثيرٍ مِن اللغويِّينَ على أساس أنَّ اللُّغَة في حقيقتها نظامٌ اجتماعِيٌّ مُستَقِلٌّ عن الفرد , وأنَّ الكلامَ هو الأداءُ الفرديُّ لِلُّغَةِ الذي يتحقَّقُ من خلاله هذا النِّظَامُ الاجتماعيُّ , فاللُّغَةُ حقيقَةٌ نفسيَّةٌ واجتماعِيَّةٌ , وتنظيمٌ موجودٌ بالقوَّة في ذهن كلِّ فردٍ من أفراد المجتمعِ , واللغةُ لا تَظهَرُ إلاَّ مِن خِلال الكلامِ.
5 - اللغة نظام يتألف من مجموعةٍ من العلامات اللغوية (الأصوات): والعلامةُ اللُّغَويَّةُ عِبَارَةٌ عن صُورَةٍ صوتِيَّةٍ هي (الدَّالُّ) تَتَّحِد مع تصوُّرٍ ذِهنِيٍّ هو (المدلول) , والعلاقَةُ بينهما علاقةٌ عُرفِيَّةٌ اعتباطِيَّةٌ , أي لا يحتوي الدَّالُّ على أيَّة قيمَةٍ أو صُورَةٍ لِحَقِيقَةِ المدلولِ.
وعلى هذا فعِلمُ اللُّغَةِ جزءٌ مِن نظامٍ أوسَعَ وأشمل هو النِّظَامُ (السيمولوجي) الذي يشمل الرُّسُومَ المتحرِّكَةَ , وتنظِيمَ السَّيرِ , وتنظيمَ الإشارات البَحرِيَّة والعسكريَّة , والإشاراتِ الإعلانِيَّةِ , وما إلى ذلك.
فاللُّغَةُ نِظَامٌ مِن العلامات التي تَتَكَوَّنُ مِن صورةٍ صوتِيَّةٍ , ومِن مفهومٍ مرتبطٍ بها ارتباطاً وثيقاً , والعلامةُ هي علاقةٌ ترابُطِيَّةٌ بين المفهومِ والصُّورَةِ الصَّوتِيَّةِ , لذلك توجَد ثلاثةُ أمور , هي:
أ- المدلول: وهو الشَّيءُ أو الذَّاتُ الخارِجِيَّةُ , والذي نُطلق عليه اسم (شجرة) على سبيل المثالِ.
ب- الدَّالُّ: أي اللفظُ , وهو مجموعةٌ مِن الأصواتِ المنطُوقَةِ التي تُشِيرُ إلى هذا الشَّيءِ الخارِجِيِّ؛ أي الشَّجرة.
ج- العلامة أو الرمز: وهو الصُّورَةُ الذِّهنِيَّةُ التي تَتَكَوَّنُ مِن ائتلافِ الدَّالِّ والمدلُولِ.
آراءٌ حولَ نظريَّةِ دي سوسير
¥