سادسًا: الكلام الذي ورد في أصله من العرب ثم تكلّم به النبي - صلى الله عليه وسلّم - ودُوِّنَ في دواوين السنة وثبت ذلك عندنا. ألا يُعدُّ ذلك حديثاً، أو أنّه يبقى على صبغته ولا يُعدُّ حديثاً وإن نطق به النبي - صلى الله عليه وسلّم - وأصحابُه، رضي الله عنهم؟
سابعًا: سيبويهِ صاحبُ ورعٍ، ولم يكن الحديثُ في متناول يده كما هو بعد عصر التدوين وفي زماننا، ولم يكن متخصصاً في الحديث، ويخشى الخطأ، لذا سمع الكلام من العرب ونسبه إليهم كما أخذه. ونحن الآن عرفنا يقيناً أنه من الحديث، وذلك بالرجوع إلى كتب الحديث، وذكرنا مَنْ رواه بالأسانيد، وذكرنا الكتاب والجزء والصفحة ورقم الحديث، ألا يحق لنا أن نقول: إنه حديث أو أثر؟ الذي أراهُ أنّه لا مانع من عدّ هذا اللفظ - إن كان فيه دلالة زائدة عن دلالة الفعل والاسم والحرف - في عداد ما تكلَّم به النبيُّ - صلى الله عليه وسلّم - أو أحدُ أصحابه، رضي الله عنهم.
ثامنًا: لي أُسوة بعلمائنا النحويين العارفين بالحديث في اعتبار الكلمة الواحدة من الحديث. هذا «ابن خروف» قال في كتابه «شرح جمل الزجاجي» (632) وفي الحديث: (اثنتان وثِنتان) ولم يزد على ذلك. وورد عند سيبويه في الكتاب (3: 359، 362 – 363): (ثِنتان).
وفي الكتاب (4: 149) فقالوا: (اثنتان) وهو وارد في «صحيح مسلم» (5629) من قول عمر – رضي الله عنه –: (ثِنتان) وفي «سنن أبي داود» (4597) من قول النبي، صلى الله عليه وسلّم: «ثِنتان وسبعون في النار».
ويلوحُ لي أنَّ سيبويه يعلم أنَّ هذه اللفظة من ألفاظ الحديث، ولكنه لا يرفعه ورعاً اتّباعاً لمنهجه الذي رسمه لنفسه في كتابه في عدم عزو الأقوال والشعر، وهو يعزو إلى شيوخه فقط بقوله: قال الخليل، وقال يونس، وقال ... ، وهو لا يُخَرِّجُ غيرَ القرآن الكريم؛ لأنّه يحفظه بيقين كما يحفظ قراءاته؛ لأنه طالب علم من الطراز الأول، وكما اختار الله – عز وجل – للقرآن الكريم أئمة، وللحديث الشريف حَفَظَةً اختص بالنحو سيبويه إماماً للنحاة ورائداً. والنحو يجب أن يقوم على الأركان الآتية:
أ - القرآن الكريم بقراءاته.
ب - الحديث الشريف، وكلام الصحابة.
ج - كلام العرب: من شعر ونثر.
د - القياس، وسيبويه بارع في القياس.
وإذا هُدِم ركنٌ من هذه الأركان تزعزع البناءُ، وآلَ إلى السقوط. ومَنْ أولى من رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - أن يُستشهد بكلامه من العرب وهو سيد الفصحاء والبلغاء والمحيطُ باللغة؟
أليس من العار والشنار أن نُنَحِّ كلامَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلّم - وأصحابهِ – رضي الله عنهم – من الشواهد النحوية؟ وهو رصيد ضخم، ومعجم لا يضاهيه معجم، عُني به علماؤنا الأفذاذ عناية فائقة؟
أليس من الواجب علينا أن نلقِّن أبناءَنا في قاعات الدرسِ النحوَ مرتكزين على المادة التي تلقّاها الصحابةُ - رضي الله عنهم – مع القرآن الكريم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - ونحببَهم بها؛ ليتعلقوا بأمثلتها وشواهدها وخاصّة في هذه الأيّام ... ؟
ثم أليس يتحتّم علينا أن نؤيّد ذلك بأن إمام النحاة سيبويه احتجَّ في كتابه بأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلّم - وكلام أصحابه – رضي الله عنهم – ما دمنا نلمح ذلك في كتابه، ونستشفُّ بريقَ الحديث يشعُّ من بين سطوره غير متكلفين؟ وقد استشهد النحويُّون من بعد سيبويه بالحديث والأثر. ولا أستثني أبا الحسنِ ابن الضائع وتلميذَه أبا حيّان - وإن شغبا على الحديث – وصار ينقلُ كلامَهما السيوطيُّ. وهذه كتبهم ناطقة بما أقول. وهذا ابن مالك حامل لواء الحديث الشريف في كل بحوثه النحويّة.
وأختم إجاباتي على تعليقات أخي الدكتور بهاء الدين عبد الرحمن - سلمه الرحمن - بما قاله شيخ العربية محمد عبد الخالق عضيمة، رحمه الله:
سيبقى كتاب سيبويه عملاً صالحاً، وذكراً باقياً، ومناراً هادياً ما بقي نَحْوٌ يُدرسُ على وجه الأرض، وستظل دراسة الجانب الإعرابي من القرآن الكريم، والحديث الشريف، وكلام العرب ونثره مرتبطةً بكتاب سيبويه، ومرتكزة عليه. فرحمك الله أبا بشر رحمةً واسعة، وجعل الجنة مثواك «فهارس كتاب سيبويه» (26).
وسيجدُ قارئُ كتابي «ارتكاز الفكر النحوي على الحديث والأثر في كتاب سيبويه» والمتأمل فيه ببصيرة نافذة الإجابات على كل ما يتعلق بهذا الموضوع، إن شاء الله تعالى.
وصلى الله على سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار.
مع التحيات الطيبات لأخي الحبيب وتقديري الكبير له.
قاله وكتبه
أ. د.محمود بن يوسف فجّال
الرياض 3/ 3 / 1430هـ
ـ[سيف أحمد]ــــــــ[05 - 03 - 2009, 03:22 ص]ـ
لله درهما عالمين ... نفع الله بهما .......
وأرى أن تعليقات الدكتور بهاء الدين أقرب إلى المطقية حيث لو كان الأمر بالسهولة التي يقترحها الدكتور الفاضل محمود فجال لما قامت الدنيا وقعدت حول موضوع الاستشهاد بالحديث في مسائل النحو واقرار مجمع اللغة العربية بالأحاديث المثبت صحتها كما جاء في الصحيحين مثلا .......
وماذهب إليه الدكتور فجال من أن هذه العبارات وردت في أحاديث لايعني ألبتة أن الأصل فيها هو الحديث .. فكلام العرب سابق لكلام الرسول (ص) لذا هو يأخذ منهم فإذا جاء من الكلام ما قاله العرب وقاله الرسول (ص) دون تحديد المصدر فالأصل أن يحال الأمر إلى الأصل وهو كلام العرب ........
والله أعلم .........
¥