ـ[أبو مالك النحوي]ــــــــ[13 - 03 - 2009, 04:52 ص]ـ
تحياتي أخي سيف أحمد وأشكرك على مداخلتك اللطيفة.
والذي أراه أنّ تعليقات الأستاذ الدكتور بهاء الدين هي السائدة عند كثير من النحاة، حيث ينكرون أنّ سيبويه قد عَمَدَ إلى الاستشهاد بالحديث في إقامة قواعده.
وأرى أنّ ماجاء به الأستاذ الدكتور محمود فجال هو رأي طريف، يستحقّ النظر والتأمّل.
فقد ساق الكثير من الأدلّة المقنعة، وساق كثيرًا من الشواهد التي يستحيل أن تكون من كلام العرب السابقين على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بل هي ألفاظ وتراكيب مستقاة - لا محالة - من وحي النبوّة.
فما قولك أخي سيف في هذه التراكيب التي أوردها سيبويه، ونسبها إلى العرب، أو ينسبها إلى شخص مجهول حينما يقول (قال: ... ) ولا يحدد من القائل:
- (كلُّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه).
- (ما من أيام أحبَّ إلى الله – عز وجل – فيها الصومُ منه في عشر ذي الحجة).
- (ونخلع ونترك من يفجرك).
- (نهاره صائم وليله قائم).
- (الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر).
- (سبوحا قدوسا رب الملائكة والروح).
- (لا إله إلا الله).
- (الله أكبر دعاء الحق).
- (إني عبد الله آكلا كما يأكل العبد).
- (يا ربّ اغفر لي).
- (لا حول ولا قوة إلا بالله).
- (لبيك إن الحمد والنعمة لك).
- (إنّ الله ينهاكم عن قيل وقال).
- (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة).
- (أستجير بالله من النار).
وغير ذلك مما استخرجه الدكتور محمود من التراكيب التي لا يُظنّ أنها انطلقت على لسان العرب قبل الإسلام، فكلّها تراكيب إسلامية، فيها حديث عن الجنة والنار ووحدانية الإله، ونواهيه وأوامره لعباده، وتسبيحه ودعائه وطلب مغفرته، وهذا الكلام هو مما بُعثت به الأنبياء، فالعرب لا تحكم على أحدٍ بجنّة أو نار، ولا تأمر وتنهى على لسان الخالق سبحانه.
وكذا الأمر في صيغة التلبية (لبيك إن الحمد والنعمة لك)، فقد كان للعرب في الجاهلية تلبيات خاصة بكل قبيلة، أما هذه التلبية فقد أثبت ابن المستنير في كتابه (التلبية) أنّ الرسول الكريم هو أوّل من جاء بهذا الأسلوب.
وإذا كان الأمر كذلك فيجب علينا التأمّل بالبصر والبصيرة في هذه القضية الخطيرة التي لا يمنع أن يكون السابقون قد لهوا عنها.
ولا يمنع أن يأتي اللاحقون بما لم يقله السابقون، فقد قال ابنُ مالك في التسهيل (2): (وإذا كانت العلوم مِنَحًا إلهيّة، ومواهب اختصاصية، فغيرُ مستبعدٍ أن يُدَّخر لبعض المتأخرين ما عَسُر على كثيرٍ من المتقدِّمين. أعاذنا الله من حسدٍ يسدُّ باب الإنصاف، ويصدُّ عن جميل الأوصاف، وألهمنا شكرًا يقتضي توالي الآلاء، ويَقضِي بانقضاءِ اللأواء).
فالقول بأنه لم يترك السابقُ للاحقِ شيئًا، ورفْض فكرةِ اعتماد سيبويه على الحديث في كتابه تمامًا؛ لأن السابقين لم يقولوا بها هذا غيرُ مقبولٍ في عُرف أهل العلم.
ومازال الدراسات تتوالى في كتاب سيبويه، وكل يوم نطالع في الأسواق وفي الجامعات صدور كتاب أو مناقشة رسالة تناولت جانبًا من جوانب اللغة في كتاب سيبويه.
ومما وقفت عليه من تلك الأبحاث - فيما أذكر -:
- النظرية السياقية في كتاب سيبويه.
- النظرية التواصلية عند سيبويه.
- البعد التداولي عند سيبويه.
فهل ننبري لإقامة النكير على هذه الأبحاث لأنّ سيبويه لم يقصد في كتابه الحديث عن التداولية والسياقية والاتصال؟! ولأن العلماء السابقين لم يقولوا بذلك؟!
إنّ كتاب سيبويه منجمٌ من مناجم العربية، وسيبقى (قرآن النحو)، وسيكتشف فيه علماء العربية في كل زمان جديدًا، كلّ عالم بحسب ما أوتي من العلم.
- ولا أظنّ أن الأمر بهذه السهولة التي تتصورها أخي سيف، ومثل هذا المؤلَّف لن يكون إلا بعد تمحيص وإدامة نظر، وقد صرّح الدكتور محمود بأنّه قد سبر غور الكتاب، وأنّه قرأ معظم أبوابه على يد أحد علماء الأزهر المشهود لهم وهوالأستاذ الدكتور محمد رفعت محمود فتح الله، رحمه الله.
¥