فهذه عبارة استعملها العرب في النداء قبل الإسلام، واستعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وكانت ذائعة بينهم فكيف نحكم أن سيبويه أراد الاستشهاد بما ورد في هذا الحديث ولم يرد ما سمعه أو سمعه شيوخه من العرب؟ في نظري أنه لا دليل البتة.
2 - (مرحبا وأهلا)
هذه أيضا عبارة وردت في كلام العرب قبل الإسلام، ووردت في الاشعار، فهذا حسان يقول:
وَإِنّي لَقَوّالٌ لِذي البَثِّ مَرحَباً ... وَأَهلاً إِذا ما جاءَ مِن غَيرِ مَرصَدِ
وهذا المثقب يقول:
فَلَمَّا أَتاني وَالسَماءُ تَبُلُّهُ ... فَلَقَّيتُهُ أَهلاً وَسَهلاً وَمَرحَبا
وانظر إلي كلام سيبويه:
ومن ذلك قولهم: مرحباً وأهلاً، وإن تأتني فأهل الليل والنهار.
وزعم الخليل رحمه الله حين مثله، أنه بمنزلة رجل رأيته قد سدد سهمه فقلت: القرطاس، أي أصبت القرطاس، أي أنت عندي ممن سيصيبه. وإن أثبت سهمه قلت: القرطاس، أي قد استحق وقوعه بالقرطاس.
فإنما رأيت رجلاً قاصداً إلى مكان أو طالباً أمراً فقلت: مرحباً وأهلاً، أي أدركت ذلك وأصبت، فحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه ..
أليس من التكلف والحكم بلا دليل أن يقال إن سيبويه أراد الاستشهاد هنا بالعبارة التي وردت على لسان إحدى الصحابيات؟
3 - أما الألفاظ التي شاعت بعد الإسلام مثل لبيك وسعديك، وعائذ بالله، وسبحان الله، فقد صارت لشيوعها وكأنها من كلام العرب أنفسهم، ومثل هذه الأحاديث التي جرت على لسان العرب، وصارت كأنها من كلامهم لا خلاف في جواز الاستشهاد بها عند سيبويه،
ولذلك استشهد سيبويه بقراءة الأعراب الذين يخطئون في قراءة القرآن، فيقرؤون النص على المستمر في لهجتهم، قال سيبويه في مسالة الظرف اللغو والظرف المستقر:
وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير، فمن ذلك قوله عز وجل: " ولم يكن له كفواً أحد ". وأهل الجفاء من العرب يقولون: ولم يكن كفواً له أحد، كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرة.
لذلك لا يمكن القطع بأن سيبويه أورد هذه الألفاظ على أنها أحاديث.
4 - قال الشيخ حفظه الله:
أذكرُ مثالاً على ذلك كلمة (زعم): استعملها سيبويه بمعنى (قال) في القول المحقق. فقال: زعم الخليل. وهو شيخه. والنبي - صلى الله عليه وسلّم - ثبت عنه أنه قال: (زعم جبريل).
انظر «شرح مسلم للنووي» (1: 45) والشاهد (6) «زعم» في «ارتكاز الفكر النحوي على الحديث والأثر في كتاب سيبويه»، وهذا قصدي من كلمة ذات دلالة. أي: دلالة زائدة على الحَدَثِ والزمن.
قلت: استعمال (زعم) بمعنى (قال) عند سيبويه لا يدخل في باب الاستشهاد النحوي، فهو أمر لغوي متعلق بمعنى (زعم)، وقد استعملت قبل الإسلام بمعنى قال، كما ورد في قول عمرو بن شأس:
تَقولُ هَلَكنا إِن هَلَكتَ وَإِنَّما ... عَلى اللَهِ أَرزاقُ العِبادِ كَما زَعَم
فلا علاقة باستعمال زعم عند سيبويه بمعنى قال لا علاقة له بالاستشهاد بالحديث، ولا يمكن القول إنه استعمل زعم بمعنى قال بناء على ما ورد في هذا الحديث، وليس في (زعم) دلالة زائدة عن الحدث والزمان.
وللحديث صلة إن شاء الله.
ـ[أبو مالك النحوي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 07:44 م]ـ
فإنّ هناك كثيرٌ من التراكيب التي تثبت صحّة ماذهب إليه ...
عفوًا
فإنّ هناك كثيرًا ...
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[18 - 03 - 2009, 11:05 م]ـ
قال الشيخ حفظه الله:
9 - أمّا قولك: (تربتْ يداك) جاء في كلام سيبويه تفسيراً لترب من قولهم: تربًا وجندلاً، فليس من الحديث في شيء، وليس من باب الاحتجاج في شيء.
فأقول: كلمة (تربتْ يداك) وردت في الكتاب (1: 314) هكذا (من قولك: تربت يداك) وهي ذات دلالة خاصة عند النبي - صلى الله عليه وسلّم - وأنا ألحظ أنَّ لها نوراً خاصّاً وقد وردت في كلام النبي - صلى الله عليه وسلّم - في «صحيح البخاري» (5090): «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربَتْ يداك».
فـ (تربَتْ يداك) لها دلالة زائدة عما يقوله العرب. ومعناها: اطلُبْ ذاتَ الدين – أيها الخاطب – فهي الظفرُ في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، ثم دعا - صلى الله عليه وسلّم - لمن آثر الدين بقوله: (تربت يداك) أي: التصقت بالتراب. وهذا كناية عن الدعاء له بكثرة النماء والبركة والخير لما يحمل التراب من معنى الكثرة، ولأن أصل الإنسان مخلوق من تراب، ولأن التراب معدن الفضة والذهب والنبات إلخ ما ذكرته في «ارتكاز الفكر النحوي على الحديث والأثر في كتاب سيبويه» في الشاهد رقم (27)
قلت:
لم يجب الشيخ عن قولي عن قول سيبويه: (واختزل الفعل ها هنا لأنهم جعلوه بدلاً من قولك: تربت يداك):
وليس من باب الاحتجاج في شيء
فسيبويه هنا يبين أن معنى: تربا وجندلا، هو: تربت يداك، وجندلت، وهو دعاء على الشخص لا له، ولا يبنى على بيان المعنى قاعدة نحوية، وهذا التعبير من التعبيرات الشائعة التي ظاهرها الدعاء على الشخص وحقيقتها غير ذلك، كقولهم: قاتله الله، ولا أبالك، ولا أم لك، وما أشبه ذلك، قال النووي:
وَالْأَصَحّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ: أَنَّهَا كَلِمَة أَصْلُهَا اِفْتَقَرْتَ، وَلَكِنَّ الْعَرَب اِعْتَادَتْ اِسْتِعْمَالهَا غَيْر قَاصِدَة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ، فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك، وَقَاتَلَهُ اللَّه مَا أَشْجَعه، وَلَا أُمّ لَهُ، وَلَا أَب لَك، وَثَكِلَتْهُ أُمّه، وَوَيْل أُمّه، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء، أَوْ الزَّجْر عَنْهُ، أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ، أَوْ اِسْتِعْظَامه، أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ، أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
فهذه العبارة وإن كانت جزءا من حديث صحيح ولكن لم يستشهد بها سيبويه على قاعدة نحوية ولم يبن عليها حكما نحويا.
وقال الشاعر الجاهلي:
تَرِبَت يَداكِ وَهَل رَأَيتِ لِقَومِهِ ... مِثلي عَلى يُسري وَحينَ تَعِلَّتي
وللحديث صلة إن شاء الله.
¥