تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمشكلة التي تخلق اللبس هو خلط المفاهيم الاصطلاحية فالقدماء لا يفرقون في مصطلح الحرف بين الرسم والصوت فما له رسم هو حرف عندهم ولأنهم استعاروا رمز الهمزة (ا) فجعلوها للألف وجعلوا رمزي (الياء/ الواو) للياء الممدودة والياء الممدودة حصل اللبس بل وهبهم هذا وهمًا آخر وهو تقدير الحركات قبل المدود.

شيخنا الفاضل وأستاذنا المبجل.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعلم أولا أنني أحبك وأجلك لما لمسته فيك من دماثة خلق وسعة صدر ورحابة فكروغزارة علم؛ لذا أود أن أنبه أولا أن الخلاف لا يفسد للود قضية كما يقولون، وإن بدا في الخلاف ما قد يفهمه البعض خطأً أنه حدة أو خصومة شخصية، لا والله بل لكم كل الحب في صدورنا.

أبدأ أستاذي بطرح سؤال يفرض نفسه كما يقولون: ما الفائدة المرجوة من تعميم القول أن حروف المد ما هي إلا حركات طويلة؟

أتفق معك أنها أصوات متشابهة لا فرق بينها إلا الزمن المستغرق في النطق بها، فالألف تعادل فتحتين والفتحة نصف ألف. ثم ماذا؟

هذا كلام قديم وقال به أكثر من لغوي، لكن لا على التعميم، بل في مواضع لعلة ما، أو طردا لقاعدة ما. فمن قال بأبه اقتدى عدي في الكرم، جعل علامة الإعراب الكسرة، ومن قال بأبيه ما ذا نقول عنه؟ أنقول مد صوته بالكسرة طردا لمن جعل الكسرة علامة الجر أم نقول إنها ياء نابت عن الكسرة، أم نقول إنها حرف اجتلب وقدر عليه الإعراب. قضية قد تكون معتبرة، وأقوال لها مبرر.

لو جاء شخص وقال إن الألف في لا النافية هي مطل للفتحة فهو حركة طويلة، رأي له وجاهته، ولكن في رأيي ليس له فائدة مترتبة عليه، قلت حرفا أم قلت حركة طويلة، ماذا تفرق؟

لو جاء شخص ثالث وقال الفعل (جاء) أو (قال) ماهو إلا حرفان أحدهما حرك حركة طويلة.

هنا أقول: وأين الياء التي بعد الجيم التي تظهر في مواضع أخر وأين الواو التي بعد القاف التي تظهر في مواضع أخر؟ إن قال حذفت وحل محلها هذا الصوت المستغرق زمن النطق بالحرف الساكن. قيل ولم لا تسميه حرفا كما سموه وأطلقوا عليه اسم الألف؟

هل فائدة رفض وسم الحرف وارتضاء وسم الحركة مسألة صوتية فحسب؟

إن كانت المسألة مجرد دراسة صوتية، فليكن مجالها علم الصوتيات Phonetics أو علم اللغة أو اللسانيات Linguistics ز لماذا الإصرار غلى إقحام المسألة في علم الصرف أو النحو؟

آلهدف هو تبسيط اللغة؟ لا أظن أنها ستكون تبسيطا. ولم التبسيط أصلا؟

هل المسألة خاصة بالرسم والكتابة؟ وإن كان كذلك، فهل يكون الحل حذف حروف المد من الكتابة ووضع علامات لها؟ أم المطلوب أن توضع رموز للحركات طويلها وقصيرها؟ ثم ألا يستدعي ذلك كتابة التنوين نونا وفك الإدغام حرفين وحذف اللام الشمسية وكتابتها حرفين من جنس ما دخلت علي اللام، وكتابة كل ما ينطق وحذف كل ما لا ينطق؟

لقد حاول البعض أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين إدخال بعض التعديلات لتسهيل اللغة العربية على زعمهم، ففشلوا فشلا ذريعا، لأن محاولات التسهيل اتضح أنها لم تزد الأمور إلا تعقيدا.

فاقترح عبد العزيز فهمي استبدال الحروف العربية باللاتينية، واقترح أحمد لطفي السيد إلى كتابة الحركات على شكل حروف المد فتصير محمد موحاممادون رفعا وموحاممادان نصبا وموحاممادين جرا، واقترح علي الجارم استعمال شكلات جديدة للدلالة على الحركات والمد والتنوين، واقترح محمود تيمور الاكتفاء بشكل واحد للحرف فتكون العين مثلا في أول الكلمة كما هي في وسطها كما هي في آخرها كما هي منفردة.

وباء كل هذا بحول الله بالفشل بل خمل ذكر من كان نابها ممن قالوا بذلك، واتهم بعضهم بما الله به عليم من التآمر على هدم الإسلام عن طريق هدم العربية، أو بعقدة الدونية أمام اللغات الغربية، وربما كان منهم من هو مخلص في طرحه.

ثم هل اللغة العربية صعبة بالفعل وتحتاج للتيسير أم أن السبب هو هزيمتنا النفسية كما يقول البعض أمام الحضارة الغربية وانبهارنا بها؟ لا أعني المنادين بالتبسيط فحسب بل جماعة الأمة، فنحن إما جاهل بغير العربية رافض لها، وإما جاهل بالعربية زار عليها، وإما حريص على العربية لا يقبل أي تجديد، وإما داع للتقريب أو التغريب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير