تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

محور الاختيار على محور التوزيع)) (11)، لتجسيد مبدأ التركيب والانزياح.

إن الملاحظ من خلال هذا الرصد المركز لمفهوم الأسلوب في التراث البلاغي العربي القديم أن هناك تبايناً بين الأطروحات التي تبناها كل علم من هؤلاء الأعلام الثلاثة، فابن طباطبا ربط مفهوم الأسلوب بصفة مناسبة الكلام بعضه لبعض، باعتبار أن الأسلوب داخل النص الشعري يتحقق إذا كملت له المعاني، وانسجمت الأبيات ووفق بينها بأبيات تكون نظاماً لها وسلكاً لما تشتت منها، أما الجرجاني فقد أخضع الكلام لعلم النحو، حتى يحقق صفة النظم لأن النظم هو أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، بينما نجد أن ابن خلدون جعل الأسلوب صورة ذهنية مهمتها مطابقة التراكيب المنتظمة على التركيب الخاص، لأن الصناعة الشعرية التي هي بمعنى الأسلوب ترجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص. لكن رغم هذا التباين في الأطروحات التي تبناها كل علم في مقاربته لمفهوم الأسلوب فإننا نجد أنهم قد أجمعوا على أن الأسلوب توفيق بين أطراف الكلام، سواء أكان ذلك بالملاءمة في الأسلوب أم بتوخي معاني النحو.

الأسلوب عند الحداثيين:

يذهب جلّ الباحثين والمهتمين بحقلي النقد والدراسات الأدبية، إلى القول إن للسانيات (دي سوسير) الأثر الكبير في نشأة المناهج النقدية النسقية، وانتهاجها الوصف والتحليل في مقاربة النصوص الأدبية، وتركها المعيارية واستصدار الأحكام النابعة ـ في الغالب ـ من تأثير السياقات الخارجية على النقاد، سواء أكانت هذه السياقات تاريخية أم اجتماعية أم نفسية أم أنتروبولوجية.

هذه النقلة النوعية في التعامل مع النصوص الأدبية والتي جاءت والنقد النسقي، تجلت بوضوح مع مطلع القرن العشرين في شتى المناهج النقدية المعاصرة.

الأسلوب STYLE سابق عن الأسلوبية stylistique في الظهور إذ ارتبط بالبلاغة منذ القديم في حين انبثقت الأسلوبية إثر الثورة التي أحدثتها لسانيات دي سوسير مطلعَ القرن العشرين، في مجال الدرس اللغوي ومدى تأثيره فيما بعد في الدراسات النقدية والأدبية إذ يعد مفهوم الأسلوبية ـ كما هو معروف ـ وليد القرن العشرين وقد التصق بالدراسات اللغوية وهو بذلك قد انتقل عن مفهوم "الأسلوب" السابق في النشأة منذ قرون، والذي كان لصيقاً بالدراسات البلاغية، ومن الممكن القول إن الأسلوب مهاد طبيعي للأسلوبية، فهو يقوم على مبدأ الانتقاء والاختيار للمادة الأدائية التي تقوم ـ في الخطوة التالية ـ الدراسات الأسلوبية بمهمة تحليلها من الناحية الأسلوبية المحضة؛ وتصنيفها حسب جماليتها الفنية؛ باتخاذها لغة الخطاب حقلاً للدراسة والاستقراء منها وبها تلج إلى عوالم النص لاستنطاقه وسبر أغواره.

تبحث الأسلوبية عن الخصائص الفنية الجمالية التي تميز النص عن آخر، أو الكاتب عن كاتب آخر، من خلال اللغة التي يحملَّها خلجات نفسه، وخواطر وجدانه، قياساً على هذه الأمور مجتمعة، تظهر الميزات الفنية للإبداع، إذ منها نستطيع تمييز إبداع عن إبداع انطلاقاً من لغته الحاملة له بكل بساطة؛ ومن ثم فالأسلوبية تحاول الإجابة عن السؤال: كيف يكتب الكاتب نصاً من خلال اللغة؟ إذ بها ومنها يتأتى للقارئ استحسان النص أو استهجانه، كما يتأتى له أيضاً الوقوف على مافي النص من جاذبية فنية تسمو بالنص إلى مصاف الأعمال الفنية الخالدة. والأسلوبية من المناهج التي تبنت الطرح النسقي انطلاقاً من مؤسسها شارل بالي، ((فمنذ سنة 1902 كدنا نجزم مع شارل بالي أن علم الأسلوب قد تأسست قواعده النهائية مثلما أرسى أستاذه ف. دي. سوسير أصول اللسانيات الحديثة)) (12)، ووضع قواعدها المبدئية، حينها غيرت الدراسات النقدية نمط تعاملها مع الآثار الأدبية، باعتمادها النسق المغلق المتمثل في النص، واستقرائه من خلال لغته الحاملة له، وإبعادها كل ماله صلة بالسياقات وإصدار الأحكام المعيارية.

إن الأسلوبية بشكل عام منهج يدرس النص ويقرؤه من خلال لغته وما تعرضه من خيارات أسلوبية على شتى مستوياتها: نحوياً، ولفظياً، وصوتياً، وشكلياً، وما تفرده من وظائف ومضامين ومدلولات وقراءات أسلوبية لا يمت المؤلف بصلبه مباشرة لها على أقل تقدير (13) إذا نحن وضعنا في الحسبان أن المناهج النسقية تزيح السياقات في مقاربتها لنصوص الإبداعية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير