راح الأسلوبيون ـ في إطار البحث الأسلوبي ـ يدرسون النصوص الأدبية، فهناك من قارب الظاهرة الأسلوبية بدءاً بعلاقة المبدع بالنص، وهنا انصب جهدهم على دراسة مدى انعكاس شخصية المبدع في نصه، وتصبح الرسالة اللغوية حينها مطية للتعريف بشخصية المبدع، مما يدخل في إطار علم النفس اللغوية إذا اعتبرنا هذا الأخير أحد مناهج المقاربة الأسلوبية.
كما أننا نجد بعضهم الآخر قد حشد اهتمامه في دراسة النصوص وعلاقتها بمتلقيها، إذ يهتم بمدى استجابة القارئ للنصوص وأهميته في ذلك، حيث يعد المتلقي، من خلال ملاحظاته منطلقاً طبيعياً لفحص الرسالة اللغوي الحاملة للنص.
وهناك فريق آخر أقصى كلاً من المبدع والمتلقي في مقاربته للنصوص الإبداعية، وأبقى على النص وحده، إذ يرى أن النص هو الوحيد الذي باستطاعته ـ إلى حد ما ـ الكشف عن محموله الدلالي من خلال خواصه اللغوية التي تميزه عن نص آخر، أو يتميز بها كاتبه عن كاتب آخر.
ومن ثم نجد أن مقاربة الظواهر الأسلوبية، سواء ربطنا النص بمنشئه، أو متلقيه، أو اقتصرنا عليه دون منشئه ولا متلقيه، ـ تحتم علينا لا محالة اتخاذ الإحصاء منهجاً لرصد الظواهر الأسلوبية الكامنة في النصوص.
الأسلوبية التعبيرية [شارل بالي"> 1865ـ 1947:
وهذا ما دأب عليه شارل بالي وأتباعه من الأسلوبيّين في تعاملهم مع النصوص الأدبية، انطلاقاً من المنهج الأسلوبي الذي يدرس لغة الخطاب سبراً لأغوارها، وماكان له ذلك لو لم ينحو منحى الدراسات اللسانية الحديثة، التي امتطت العلمية الوصفية سبيلاً لمدارسة النصوص من خلال لغتها ضمن تزامنيتها في إطار النسق المغلق المتمثل في النص.
(الأسلوبية) أو (الأسلوبيات) أو (علم الأسلوب) كلمات مشتقة من الأسلوب، تشكل اتجاهاً نقدياً يعتني بمقاربة الجوانب الأسلوبية في النصوص الإبداعية، وقد ظهرت خلال القرن التاسع عشر في النقد الغربي، لكن ملامحها كمنهج نقدي لم يحدد إلا في بداية القرن العشرين مع "شارل بالي" (1947. 1855. C. Bally) ، بعد أن كانت متداخلة مع علم البلاغة في التراث اللغوي العالمي.
استفاد شارل بالي في التأسيس للأسلوبية كثيراً من أستاذه (("فردينان دي سوسير"
(1913.1857) وبخاصة في بعض إنجازاته اللغوية الأساسية، فوضع "شارل بالي" ـ بوصفه مؤسس الأسلوبية ورائد التعبيرية منها ـ الطابع الوجداني محدداً في عملية التواصل بين المرسل والمتلقي، ضمن الإطار اللغوي للرسالة، إذ "يعد من الرواد المؤسسين للأسلوبية، وهي تعني عنده البحث عن القيمة التأثيرية لعناصر اللغة المنظمة والفاعلية المتبادلة بين العناصر التعبيرية التي تتلاقى لتشكيل نظام الوسائل اللغوية المعبرة، وتدرس الأسلوبية عند "بالي" هذه العناصر من خلال محتواها التعبيري والتأثيري)) (28) من النص إلى المتلقي عبر اللغة.
اهتم "بالي" في أسلوبيته التعبيرية بالجانب الأدائي للغة الإبلاغية، من خلال تأليف المفردات والتراكيب اللغوية ورصدها جانباً إلى جنب، انطلاقاً مما يمليه وجدان المؤلف، بذلك تعتبر التراكيب اللغوية حاملة لمضمون عاطفي مشحون دلالياً يجعل المتلقي يتأثر به، عندها يبقى الخطاب من خلال لغته المشكلة لبنيته الخارجية ذا تأثير فعال فيمن يحمل إليه، مادام ((موقف التحليل الأسلوبي عند بالي هو الخطاب اللساني بصفة عامة، ولكنه يحصر مجال الأسلوبية في القيم الإخبارية التي يشتمل عليها الحدث اللغوي بأبعاده دلالية وتعبيرية وتأثيرية)) (29) إلى المتلقي للخطاب.
حصر "بالي" أسلوبيته في اللغة الشائعة، لغة التواصل اليومي، دون اللغة الأدبية، لغة الإبداع. "ومن هنا كان "الأسلوب" عند "بالي" هو تتبع السمات والخصائص داخل اللغة اليومية، ثم استكشاف الجوانب العاطفية والتأثيرية والانفعالية التي تميز أداء عن أداء" (30)، من شخص إلى شخص، ومن بيئة إلى بيئة.
ـ العلاقة بين اللغة والحديث أو بين عناصر الوراثة في اللغة وهو ما أ طلق عليه" Langue"، وبين الاستخدام الذي يزاوله الناس في الحديث " Parole"
ـ تحليل الرموز اللغوية، وذلك باعتبار أن المسميات اللغوية ليست سوى مفاهيم ترتبط بذهن من ينطقها.
ـ دراسة التركيب العام للنظام اللغوي لأن الكلمة في حد ذاتها لا تمثل بناءً لغوياً.
ـ آثر "دي سوسير" الفصل بين مناهج الدراسة الوصفية (سانكروني) والمناهج التاريخية (دياكروني).
¥