ينظر "سبتزر" إلى الأسلوب من خلال الذات المبدعة، وخصوصيتها الفردية في إطار سياق جماعي تاريخي يساهم في وسم الأسلوب بميزات خاصة تبعاً لما تمليه الظروف المختلفة؛ ((فالأسلوب خصوصية شخصية في التعبير والتي من خلالها تتعرف على الكاتب، وذلك من خلال عناصر متعددة تعمل على تكوين هذه الشخصية الذاتية)) (35) من خلال ذوات أخرى تَحْيا جنباً إلى جنب معهم، في شكل جماعة تحكمها ظروف اجتماعية ونفسية وتاريخية خاصة.
تذهب الأسلوبية النفسية ـ من خلال طرحها في مقاربة النص ـ إلى أن علم الأسلوب ـ من منظورها ـ قادر على إدراك كل ما يتضمنه فعل الكلام من أساليب أصلية تتوفر على عناصر الفرادة أوجدتها طاقة خلاقة منبثقة من نفس مبدعة وتفرده في الإلقاء، وقدرته على القول، وتمكنه من التعبير وهنا ينصب جهد البحث الأسلوبي النفسي على تتبع التحولات اللغوية، التي أحدثها المبدع في خصوصيته وفرديته المتميزة انطلاقاً من دفقة شعورية يختص بها، لذلك قد تكون الأسلوبية النفسية أشبه بدراسة السير الذاتية للمبدعين والكتاب، وذلك بالاعتماد على استنطاق لغة النص وما تحمله من دلالات عديده، كما نادت بذلك اللسانيات الحديثة، والتي ولدت من رحمها الأسلوبية.
جنحت الأسلوبية النفسية إلى الانطباعية. والإغراق في ذوات المبدعين يظهر حالياً، مادامت تهتم بالجوانب النفسية، في إطار الجماعة بكل ظروفها التي تحيا ضمنها، جاعلة من أسلوب الكاتب في انحرافه عن السائد والمألوف، حقلاً للدراسة والبحث والتقصي.
لقد تجلت الأسلوبية النفسية كباقي الاتجاهات الأسلوبية الأخرى في النقد العربي المعاصر، فراح باحثونا يترجمون لأعلامها ساعين إلى فهم وكشف ما تحمله هذه الدراسات الأسلوبية النفسية المعتمدة على المبدع، المتفرد من خلال نصه، الذي لا يفهم إلا منه، ومن النقاد العرب الذين اهتموا بهذا الطرح الأسلوبي نجد:
ـ عزة آغا ملك في بحث لها بعنوان "منهجية ليوسبتزر في دراسة الأسلوب الأدبي" عن مجلة الفكر العربي عدد 36 – 1985.
ـ حمادي صمود في مؤلفه "الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة" 1988.
ـ عبد الفتاح المصري في بحثه "أسلوبية الفرد" عن مجلة الموقف الأدبي، عدد 135 –136، دمشق 1982.
ـ صلاح فضل في كتابه "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته" 1985.
وهكذا ترجحت بحوث العرب في الأسلوبية النفسية بين الترجمة، ومحاولة الفهم والدراسة، إلى التطبيق والنقد في غالب الأحيان.
الأسلوبية والبنيوية: (الوظيفة).
تنطلق الأسلوبية البنيوية في بحثها من النص كنسق لغوي، متأثرة في أطروحاتها باللسانيات الحديثة، وبخاصة علوم: الصرف، والمعاني والتراكيب، لرصد ما يحمله النص من دلالات وإيحاءات بدءاً بمفرداته وتراكيبه المشكلة له، إذ تقارب الأسلوبية البنيوية الأسلوب من خلال النسيج اللغوي للنص، فتحدد العلائق اللغوية في مستوياتها الإفرادية والتركيبية المشكلة لنسيجها النصاني في تتابعها ومماثلتها، مهتمة بمقاربة الظواهر وما تولده من فروق تتولد في سياق الوقائع الأسلوبية ووظائفها في الخطاب الأدبي ذي الجودة العالية فنياً وجمالياً.
ينطلق البحث الأسلوبي البنيوي في تحليله للآثار الأدبية من خلال البنى اللغوية المشكلة لها، ومدى تناسقها وتضافرها داخلياً لتكوين ذلك الكل الشمولي المتمثل في النص، ((وليس النص الأدبي نتاجاً بسيطاً من العناصر المكونة، بل هو بنية متكاملة تحكم العلاقات بين عناصرها قوانين خاصة بها، وتعتمد صفة كل عنصر من العناصر على بنية الكل. وعلى القوانين التي تحكمه. ولا يمكن أن يكون للعنصر وجود ـ (فيزيولوجي أو سيكولوجي) ـ قبل أن يوجد الكل، وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن تعريف أي عنصر منفصل إلا من خلال علاقاته التقابلية أو التضادية مع العناصر الأخرى في إطار بنية الكل)) (36)، حينئذ يمكننا مدارسة النصوص الأدبية انطلاقاً من لغتها الحاملة لها، ومدى تفاعل الشكل المتمثل في المفردات والتراكيب في سياق نحوي ما، ناهيك عن تفاعل هذا الشكل بما تولده هذه المفردات والتراكيب والأصوات من دلالات تكتسبها ضمن علاقاتها جنباً إلى جنب لتكون النص في شكله العام.
¥