تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 03 - 2010, 07:59 ص]ـ

ومع بقية الآية:

ومن قوله تعالى: (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

فالمضارعة مئنة الاستمرار، فضلا عن استحضار تلك الصورة النادرة من صور الإيمان الذي بلغ حد الإيثار، ثم أطنب في بيان وصفهم، فأثبت صفة المدح من حب المؤمنين من المهاجرين، فحبهم: دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ، كما نص على ذلك الطحاوي، رحمه الله، فحب المؤمن مئنة من كمال الإيمان وسمو الهمة إلى الاقتداء بدينه وخلقه، على وزان:

أحب الصالحين ولست منهم ******* لعلي أن أنال بهم شفاعة

والحب والبغض من أقوى وشائج الإيمان، وهو أمر يتبعض بتبعض أفعال العباد، فيحب الإنسان من وجه طاعة، ويبغض من وجه معصية، فيجتمع في الشخص الواحد موجب الحب والبغض، بل ويجتمع فيه الإيمان والكفر، وإن امتنع اجتماع أصليهما في محل واحد، فيجتمع أصل الإيمان المنجي من الخلود في العذاب وهو مظنة الحب والولاء، وشعب الكفران التي لا تخرج صاحبها عن حد الإيمان، وإن أخرجته عن حد كماله الواجب والمستحب من باب أولى، فهو مؤمن باعتبار أصل الإيمان في قلبه، فعنده من عقد القلب وعمله ما يدخله في دائرة الإيمان، ولا ينفك ذلك عن قول اللسان، وعمل الجارحة، وإن وقع فيه التقصير بمقتضى ما يطرأ على الإيمان من ضعف بمباشرة المعاصي أو الفتور عن الذكر ...... إلخ، فالتلازم بين الباطن العلمي والظاهر العملي تلازم وثيق، فالعمل داخل في ماهية الإيمان دخول الجزء في كله، فهو شرط كماله الواجب المنجي من الخلود في العذاب، بل منه، على خلاف بين أهل العلم، ما هو شرط في صحة الإيمان، فترك الصلاة بالكلية ولو بلا جحود، كفر مخرج من الملة، عند الحنابلة، رحمهم الله، والخلاف مبسوط في كتب العقائد والأحكام، فهو باعتبار جنسه ركن من أركان الإيمان، لا باعتبار آحاده، فيتصور تخلف بعض الأعمال مع بقاء أصل الإيمان، ولا يتصور إيمان بلا عمل، فيترك صاحبه جنس العمل بالكلية وهو مع ذلك مؤمن!، وإن كانت تلك صورة افتراضية لا وجود لها تقريبا في عالم الشهادة، فالإيمان، وإن ضعف، بل وإن بلغ غاية الضعف فلا ينفك عن حركة إرادية للخير تنتج أثرا، ولو ضئيلا في عالم الشهادة، فإنه لا يتصور صلاح في الباطن، ولو جزئيا، مع صحة الآلات الظاهرة، مع تخلف أثر ذلك الباطن على الظاهر، فيكون صاحبه صحيح التصور، مريدا للخير، صحيح الآلة، ومع ذلك لا ينطق أو يعمل بالخير!، فذلك الفصل بين الباطن والظاهر لا يتصور إلا في الذهن، على طريقة التجريد العقلي التي لا وجود لها في عالم الشهادة فتلازم الباطن والظاهر من جنس تلازم الذات والأوصاف القائمة بها، فالفصل بينهما لا يكون إلا في الذهن الذي يجرد ذاتا مطلقة، وصفات قائمة بنفسها، وذلك ممتنع بداهة في الخارج، فلا وجود فيه إلا للذات المتصفة بمعان قائمة بها، يحصل بها: التمايز بين الأعيان الموصوفة فلا تتداخل ذاتان، وإن بلغ التشابه بين وصفيهما ما بلغ، إذ لا بد من قدر فارق تمتاز به كل ذات عن الأخرى.

وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:

فذلك من الإطناب في بيان وصفهم، فنفى عنهم وصف المذمة من البخل الذي يجد صاحبه في نفسه افتقارا إلى ما بيد غيره، فهو والشح قرينان، ونفي وجدان الحاجة في الصدور أبلغ من نفي الحاجة، فلم يجدوا أثرها فضلا عن وجدانها، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك جار على طريقة:

لا تفزع الأرنب أهوالها ******* ولا ترى الضب بها ينجحر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير