، فإن قرينة نعت الأزواج بالثلاثة وهي قرينة لفظية من نفس السياق قد دلت على المراد بالزوج في هذا الموضع بعينه، فهو الصنف، فزال الإجمال بالقرينة الدالة على المعنى المراد من المشترك المحتمل لمعان عدة، وإنما أطلق على الصنف زوج باعتبار الغالب، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلا يذكر الصنف غالبا إلا ويذكر نظيره معه، فمعنى الزوجية معتبر في كل هذه المعاني.
والزوجية سنة كونية، كما في قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فبها تظهر معاني الفردية والصمدية للرب الواحد في ذاته الأحد في صفاته فله وصف الجمال ونعت الجلال.
والشاهد أن ذلك من الإجمال، كما تقدم، الذي جاء بيانه باعتبار معناه، ثم جاء بيانه باعتبار أقسامه عقيبه فـ:
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ: فأعيد المبتدا في جملة الخبر فذلك الرابط بينهما كما قرر النحاة في باب المبتدأ والخبر، فهو جار على حد قوله تعالى: (الحاقة * ما الحاقة).
والاستفهام مئنة من تعظيم شأن المستفهم عنه أو للتعجيب من شأنه، لقرينة السياق، فالإظهار في موضع الإضمار فيه مزيد عناية بالمظهر، إذ أعيد بنفس اللفظ في جملة الخبر وكان يكفي في الربط ذكر ضميره، فيقال في غير التنزيل على سبيل المثال: وأصحاب اليمين ما هم؟، والاستفهام في مثل هذه التراكيب جار مجرى ما سبقت الإشارة إليه في أكثر من موضع من دلالة الاشتراك اللفظي، إذ المبنى واحد فـ: "ما" من جهة مبناها واحدة، ومع ذلك تعددت استعمالاتها، على أنحاء متباينة، وتلك حقيقة الاشتراك اللفظي، فإن: "ما" تحتمل النفي في نحو: ما جاء زيد، فتدخل على الفعل كما تقدم، وتدخل على الاسم فتعمل عمل ليس، وهي الحجازية، لاختصاص أهل الحجاز بها، كما في قوله تعالى: (مَا هَذَا بَشَرًا)، وتحتمل الموصولية الحرفية، في نحو قول القائل:
يسر المرء ما ذهب الليالي ******* وكان ذهابهن له ذهابا
أي: يسره ذهاب الليالي.
وتحتمل الموصولية الاسمية في نحو قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فهي دالة على عموم الخلائق عاقلها أو غيره، وتحتمل الاستفهام، وهو محل الشاهد، ومع كون الاستفهام جنسا، إلا أنها تدل على أنواع منه متباينة، يحددها السياق الذي ترد فيه، وذلك أدق ما يكون في تحديد المراد من اللفظ، فإن التباين لا يقع بين الأجناس المختلفة من: نفي، ومصدرية، واستفهام ..... إلخ فقط، وإنما يقع بين أنواع أو أفراد الجنس الواحد فالاستفهام بها إما أن يكون:
لإيضاح الاسم، بغض النظر عن ماهيته، فالسؤال عن ماهيته تال له في الترتيب العقلي، فيقال مثلا: ما العسجد؟
ولبيان ماهية الشيء، فيقال: ما الذهب؟، فيقال: هو المعدن الذي وصفه كذا وكذا، فيعين الماهية بالحد الشارح الذي يبين إجمال اللفظ.
أو للتعظيم، كما في هذه الآية: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)
أو التحقير: كما حكى الرب، جل وعلا، من مقالة فرعون: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)، فقالها استهزاء، وهو الحقير، فالمعنى هنا باعتبار ما قام بنفسه من وصف السوء في حق الرب، جل وعلا، لفساد تصوره، فهو منكر جاحد للنبوات، بل منكر للربوبية، بل مدع لها، لا باعتبار حقيقة وصفه، جل وعلا، فهو المنزه بداهة عن كل أوصاف النقص، فلا يليق في حقه إلا التعظيم.
والشاهد أن المبنى في كل ما تقدم واحد، ومع ذلك تعددت المعاني التي يعينها السياق الذي يرد فيه، وذلك، كما تقدم مرارا، مئنة من بلاغة الكتاب العزيز خصوصا، ولسان العرب عموما، فإن المشترك اللفظي وإن نظر إليه بعض أهل العلم على أنه نوع فقر في مواد اللغة المعجمية، إذ المادة الواحدة قد استعملت في معان عديدة، والأليق بثراء اللسان العربي أن تتعدد مواده، وهو أمر حاصل، ولكن في غير المشترك اللفظي، وتتبع دلالة الترادف في اللسان العربي خير شاهد على ذلك فإنه بضد الاشتراك اللفظي، إذ المعنى فيه واحد ومع ذلك تتعدد الألفاظ الدالة عليه، إن سلم بوقوع الترادف من كل وجه، فالمحققون من أهل العلم على أن الترادف إنما يكون نسبيا في بعض الأوجه
¥