تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا كليا من كل وجه، فلا يوجد مبنيان في لسان العرب مترادفان من كل وجه، بل لا بد ان يستقل كل مبنى بمعنى يخصه، فالثراء اللغوي ثابت من هذا الوجه، ومع ذلك لا يخلو المشترك اللفظي من دلائل بلاغية في اللسان العربي، إذ تتعدد معانيه بتعدد السياقات التي يرد فيها، فتظهر بلاغة النظم في توجيه اللفظ الواحد إلى معان متباينة تبعا للسياقات التي يرد فيها، كما تقدم، بل قد يكون اللفظ دالا على المعنى وضده، فيكون قد بلغ الغاية من الإجمال، ومع ذلك يحسم السياق الإشكال برفع الإجمال وتعيين المعنى المراد من الضدين، كما في دلالة: "ما" على التعظيم تارة والتحقير أخرى، فوقع الإجمال فيه من هذا الوجه، حتى عين السياق في نحو قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ): معنى التعظيم، وبين في مقالة فرعون السوء: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ): معنى التحقير الذي هو بالقائل أليق كما تقدم.

وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ: فذلك من قبيل طباق الإيجاب بذكر ضد المذكور أولا، فذلك أليق بمقام الحصر استيفاء للأنواع، وفيه ما في الأول من دلالة إعادة المبتدأ مع دلالة الاستفهام، أيضا، على التعجيب من حالهم، وقد يقال بأن وصف السوء يدل على إرادة التحقير في هذا الموضع، بخلاف التعظيم في الموضع السابق، إذ ثبت نقيض الوصف هنا فثبت نقيض الحكم على ما اطرد من الدلالة العقلية بدوران الحكم مع علته أو وصفه المؤثر وجودا وعدما.

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ: فاستوفى الشطر الثالث من القسمة الثلاثية التي تقدم إجمالها في قوله تعالى: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)، ودلالة التعجيب هنا حاصلة بتطابق لفظي المبتدأ والخبر، كما قال في "أضواء البيان"، فذلك وجه آخر من وجوه التعجيب في نظم الكتاب العزيز، والتنويع في الأساليب اللفظية الدالة على معنى واحد مع تجاورها في النظم مئنة من بلاغة الكلام، فالتنويع في المباني مئنة من الثراء اللفظي، فذلك جار مجرى:

أنَا أبُو النَّجْم وشِعْري شِعْري.

وقد أطلق لفظ: "السابقون" وقيده بعض أهل العلم بالسبق إلى جنس بعينه من أجناس الخير، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فسابق إلى الصلاة، وآخر إلى الزكاة وثالث إلى الصيام ...... إلخ، فيكون ذلك جار مجرى بيان العام بذكر بعض أفراده، فلا تخصصه إذ قد وردت في معرض التمثيل له تقريبا إلى ذهن المخاطب، فحمله على عمومه هو المتعين، فالسبق إلى كل خير دل عليه الشرع الحنيف هو الواجب على طلاب الصلاح في الأولى والنجاة في الآخرة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 03 - 2010, 08:29 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ):

فجاءت الإشارة باسم الإشارة المستعمل للإشارة إلى البعيد مئنة من علو مكانتهم، فقد حصل التفخيم بتكرار الوصف بالسبق، على وجه يوحي إلى سامعه بتعذر الإحاطة بسبقهم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك أليق بمقام التعجيب من كمال حالهم، فيلائمه التفخيم لبيان مآلهم في دار الجزاء، فإذ كانوا على ذلك القدر من الفضل وتمام السبق، فـ: أولئك، مئنة من علو المنزلة: المقربون، فكما علت هممهم فصلحت إراداتهم وأعمالهم فصاروا سابقين إلى كل مكرمة، نائين عن كل منقصة، علت منازلهم في دار الجزاء، فصحت الإشارة إليهم بـ: "أولئك"، فالجزاء من جنس العمل، وذلك أكمل صور العدل فمن كان في الأولى عاليا برسم الإخلاص والمتابعة فهو في الآخرة عال برسم التكريم والمجاورة للرب، جل وعلا، فـ: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ"، فالبعد بعد معنوي لعلو المنزلة، كما تقدم، وهو، أيضا، بعد حسي، فالجنان في أعالي السماء، وأقربها إلى جوار الرحمن، جل وعلا، أعلاها منزلا: الفردوس الأعلى، مطمح أصحاب الهمم العالية، ولذلك أرشد صلى الله عليه وعلى آله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير