تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإن كانت الآية نصا في محل التقريب الحسي، فهي دالة عليه دلالة مطابقة مباشرة، إلا أنها دالة، أيضا، على درجات التقريب المعنوي التي ينالها أولئك المقربون، فهي دالة عليها بدلالة اللزوم غير المباشرة، فلا يسكن تلك المنازل العلية حسا إلا من علت درجاته معنى فذلك من اللزوم العقلي بمكان.

ثم جاء بيان عددهم فهم:

ثلة من الأولين وقليل من الآخرين:

فمن فسر الأولين: بالأمم السابقة، حمل ذلك، على إلهاب وتهييج همم الآخرين ليلحقوا بهم، على وزان: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم.

وقد استبعد ذلك بعض المحققين كابن كثير، رحمه الله، لخيرية هذه الأمة فيبعد أن تكون هي القلة، ويكون غيرها من الأمم هم الكثرة، إلا إذا نظر إلى مجموع الأفراد، فالأمم السابقة بمجموعها أكثر عددا من الأمة الخاتمة، فهم أمم وهي أمة واحدة، وإن كان ذلك، أيضا، قد يبعد من جهة كون هذه الأمة قد امتد بها الزمان وكثر أفرادها سواء أكانت أمة الدعوة: فالبشر اليوم قد بلغوا من العدد ما بلغوا، ولم يكن ذلك حاصلا في الزمان الأول بداهة، أو كانت أمة الإجابة، فعددها، وإن كانوا كغثاء السيل، أكثر من عدد المؤمنين في الزمان الأول ويرد على ذلك أن العبرة بالمعاني لا بالمباني، فمبنى الأمة في الصدر الأول كان قليلا، ولكن معناه كان عظيما، فكانوا أفضل طباق هذه الأمة، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام فهم أفضل أتباع الرسالات، بخلاف الحال في زماننا فالمبنى عظيم والمعني قليل وربما كان عديما.

والشاهد أن أصحاب هذا القول قد حملوا الأولين: على سابقي هذه الأمة، وحملوا الآخرين: على متأخريها، وذلك بالواقع أليق، فالصالحون قد كثروا في الزمان الأول، وقلوا في الزمان المتأخر، ووجه الإلهاب والتهييج لمشابهة الصدر الأول حاصل، أيضا، في هذا التأويل.

ثم جاء الإطناب في بيان صنوف النعيم فذلك من الوعد الجميل الذي يدل على عظم ثواب الرب الرحيم الكريم، تبارك وتعالى، ففيه مئنة من كمال عنايته بعباده المؤمنين بتنعيمهم وتقريبهم، فضلا عن دلالته الإنشائية بإلهاب المشاعر طلبا لنيل تلك المراتب العلية، فذلك أمر مطرد في كل وعد رباني: فهو يفيد لزوما الحث على ملازمة ما يتوصل به إليه من الوسائل، ولا تكون إلا مشروعة بداهة، فما عند الله من ثواب دنيا أو دين لا ينال إلا بطاعته، وكذلك الحال في نصوص الوعيد فهي خبرية المبنى إنشائية المعنى من جهة المعنى فتفيد لزوما، على سبيل الضد من نصوص الوعد، الحث على اجتناب ما يتوصل به إليه من الوسائل ولا تكون إلا غير مشروعة بداهة، فالكفر والمعاصي ذرائع العذاب الأليم، فالأمر مطرد منعكس، فيطرد الوعد بالثواب في حال الطاعة، ويدل بعكسه على اطراد ضده من الوعيد بالعقاب في حال المعصية، وكذلك الشأن في الوعيد فـ: فيطرد الوعيد بالعقاب في حال المعصية، ويدل بعكسه على اطراد ضده من الوعد بالثواب في حال الطاعة، فالتلازم بينهما، أيضا، تلازم عقلي وثيق، وهو مئنة من اطرد القياس القرآني وموافقته لصرائح المعقول، فهو كتاب هاد بأخباره السمعية ودلالاته العقلية.

فجاء الإطناب بـ:

عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ: منسوجة بالذهب مشبكةٌ بالدرِّ والياقوتِ، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمهم الله، فذلك وصف المجلس.

و: مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ: فذلك وصف الجلوس إمعانا في تقرير المنة، فكمال حال في المجلس والهيئة.

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ: فالمضارع مئنة من التجدد والحدوث فذلك، أيضا، آكد في تقرير المنة،

بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ: فامتن بتعدد صور الآنية، واحترز بالتذييل بنفي ما يصيب متعاطى خمر الدنيا من فساد العقل بالصداع والسكر، فلا يصدعون ولا ينزفون بسببها فـ: "عن" هنا أفادت السببية كما أفاد ذلك أبو السعود رحمه الله. فذلك كمال المشرب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير