تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 08:10 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ)

فذلك من التنويه على ما تقدم في قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)، فالاستفهام فيه نوع إبهام يدل على المبالغة في الوصف، وهو جار على ما تقدم، من إرادة التعظيم لقرينة السياق، فهي من الأضداد التي تحتمل المعنى وضده، فتحتمل التعظيم وتحتمل التحقير، فهي من الأضداد، والأضداد، كما تقدم في مواضع سابقة، من أشد الألفاظ غموضا وإجمالا، فلا بد من قرينة تعين أحد المعنيين، والمعنى المراد هنا لقرينة السياق المبين لصور النعيم الأخروي الذي قد بلغ من عظم القدر والوصف ما بلغ، المعنى المراد لهذه القرينة السياقية هو التعظيم.

وقد ذكروا أولا بوصف: "أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ"، ثم ذكروا ثانيا بوصف: "أصحاب اليمين"، والمعنى واحد، فالاختلاف في المبنى نوع من التفنن يطرد السآمة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالتنوع مظنة نشاط السامع بتجدد المباني اللفظية، فالنفس تتوق دوما إلى التجديد، فيحصل بذلك نوع تنبيه للسامع، فمثله في ذلك مثل الالتفات في باب الضمائر، فيلتفت من الغائب إلى المتكلم شحذا لذهن السامع بتغيير سياق الكلام، واستحضارا لصورة المخاطب، فالتفنن بتغيير مباني الألفاظ: باب واسع في لغة العرب به يظهر ثراء لغة العرب، فموادها المعجمية وصيغها التصريفية، قد بلغت من الكثرة ما بلغت، فهي أثرى لغات الدنيا من جهة مبانيها اللفظية ودلالاتها المعنوية، فالمعنى الواحد قد تتعدد المباني الدالة عليه، فيكون ذلك من باب الترادف، وهو كما تقدم في مواضع سابقة، مما أنكره المحققون كالجاحظ وهو من أئمة اللغة المحققين، وكابن تيمية، رحمه الله، من المتأخرين، فلا بد من معنى يستقل به كل مبنى، وشاهد ذلك من علم الصرف، تباين معاني الصيغ التصريفية بتباين حروف الزيادة، ولذلك عقد الصرفيون في كتبهم مبحثا لبيان معاني حروف الزيادة، فالمادة المعجمية واحدة، ومع ذلك تستقل كل صيغة بمعنى لا يوجد في غيرها، بل الصيغة الواحدة تدل على عدة معان، مع اتحاد مبناها، تبعا للسياق الذي ترد فيه فصيغة: "فعَّل" على سبيل المثال تدل على الإزالة كـ: "قشَّر"، أي: أزال قشر الشيء، وعلى النسبة إلى أصل الفعل كـ: "فسَّق" أي: نسبه إلى الفسق، والتعدي كـ: "قعَّد"، أي: أقعد، وعليه يقال هنا بأنه لا بد من معنى زائد يستقل به لفظ: "الميمنة" عن لفظ: "اليمين"، لاختلاف الصيغة الصرفية، فاختلاف المعنى فرع عن اختلافها، ولو لم يكن في ذلك إلا التفنن بالتنويع اللفظي، كما تقدم، لكان ذلك كافيا في معرض بيان ثراء لغة العرب.

واللفظ الواحد قد تتعدد معانيه بتعدد السياقات التي يرد فيها، فيحتمل المبنى الواحد معان عدة على جهة الاشتراك اللفظي، فهو على الضد من الترادف فيظهر به ثراء لغة العرب من جهة تعدد سياقاتها وقرائنها اللفظية والحالية التي تعين المعنى المراد في كل سياق، بل قد تكون الألفاظ، كما تقدم، أضدادا، وذلك أشد صور الإجمال فلا يفصل في تعيين المراد إلا السياق، فهو، كما تقدم مرارا، الأصل في معرفة مراد المتكلم، فيكون الاشتراك في مقابل الترادف، وفي كليهما إبراز لوجوه كثيرة من وجوه بلاغة اللسان العربي.

ثم أطنب في بيان صور النعيم للنوع الثاني من الأزواج الثلاثة، فقد أجملها في الذكر ثم بين جزاء كلٍ على طريقة اللف والنشر غير المرتبين، وذلك خلاف الأصل، فنشر الأخير بذكر نعيم السابقين، ثم رجع إلى الأول: أصحاب اليمين، ثم ثلث بالنوع الثاني وهو: أصحاب الشمال، فنعيم أصحاب اليمين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير