تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكينونة: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ: فذلك أبلغ في بيان إحاطة وكثرة الشجر والثمار بهم، فهو جار على ما تقدم من المبالغة في بيان صور نعيم الجنان، ولا يمنع ذلك من إرادة الحقيقة فهو جار مجرى الكناية، بل الحقيقة هي إحاطة أصناف النعيم بهم فهي، كما تقدم، عظيمة القدر والوصف، فأصنافها متكاثرة، وحقائقها متكاملة فليس فيها ما في أشجار وثمار الدنيا من النقص، فتفنى ويسرع إليها الفساد، وتنقطع في أزمان، فليست موجودة على الدوام، وإن حفظت، فليست غضة طرية كما قطفت، فذلك مما باينت فيه ثمار الجنة الكاملة ثمار الدنيا الناقصة، والمقابلة بين وصفيهما تزيد معنى العناية بأصحاب الجنان والمنة عليهم بأكمل صور النعيم مطعما ومشربا ومنكحا، كما تقدم، فقد ذكرت الأصناف الثلاثة في سياق بيان نعيم السابقين، ثم ذكرت ثانيا في سياق بيان نعيم أصحاب اليمين، فذلك مما يقطع مادة اليأس من القلوب إن لم يصل أصحابها إلى مرتبة السابقين، فهم قليل في الآخرين، بخلاف أصحاب اليمين فهم في الآخرين كثير، فالهمة قد تسمو إلى درجة الأولين، فإن قصرت فلا تقصرن عن بلوغ درجة الآخرين، وكل على خير، ولكن الخير درجات فلا تستوي درجة المقربين، ودرجة من دونهم، وإن كانوا من أهل الإيمان الناجين، فكل من يعبر الصراط ناج، ومع ذلك تفاوتت سرعة عبورهم تبعا لتفاوت أقدارهم فلا يستوي عبور الأنبياء، عليهم السلام، وعبور من دونهم، بل من دونهم يتفاوتون في سرعة السير، فليس سير الصديقين كسير الشهداء، وليس سير الشهداء كسير الصالحين، وليس سير الصالحين كسير آحاد المؤمنين، وليس سير أولئك كسير المخلطين ..... إلخ، فيتفاوت النعيم في الجنان، فهي جنان كثيرة، بتفاوت السير على الصراط، فمعنى النجاة في كل عابر: حاصل، ولكنه يختلف من عابر إلى عابر، ومرد ذلك، عند التدبر والنظر، إلى استقامة السير على صراط الشرع في دار الابتلاء، فبقدر الاستقامة والمبادرة إلى قطع مراحل السير إلى الله، عز وجل، في دار التكليف، على رسم النبوات الهاديات فلا بدع ولا محدثات، بقدر هذه الاستقامة تكون الاستقامة في الدار الآخرة على الصراط، ومن ثم تكون درجة النعيم في الجنة، فهي جنان لا جنة، يتفاوت أصحابها في أقدارهم تبعا لتفاوتهم في أعمالهم، بل من المعاصي ما يحرم صاحبه من دخول جنان بعينها، كما أثر عن بعض أهل العلم في تأويل نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ"، وهو: النمام، فلا يدخل الجنة التي أعدت لمن سلم من هذه المعصية، وإن جاز دخوله غيرها إن كان من أهل التوحيد في الجملة، فهو تحت المشيئة، فإن شاء الرب، جل وعلا، عفا عنه وأدخله الجنة ابتداء وإن شاء عذبه عذابا غير مؤبد، فإن طهر خرج إلى الجنة فيتبوأ منها مقعده الذي يلائمه، فيحرم من دخول الجنة التي أعدت لمن لم يكن على معصيته، كما تقدم، وقال بعض أهل العلم: بل المعنى تأخر دخوله، فلا يدخل الجنة ابتداء، وإنما يحجب عنها بالعذاب المؤقت حتى يطهر من أثر المعصية ثم يدخلها برسم الطهر من خبث المعصية بكير عذاب السموم، وتلك درجة دنية، وإن كان مآلها النجاة، فيقبح في حق كل مؤمن بل عاقل قد علت همته أن يقنع بها، كما هو حال كثير من العصاة المغرورين بعفو الرب الكريم، جل وعلا، فلا يقدرون عذابه حق قدره، فهو الغفور الرحيم فلا يقنط من عصاه، فذلك وصف جماله، وهو شديد العقاب فلا يأمن مكره إلا مغرور، فذلك وصف جلاله، ولا يكون السير إليه إلا بكليهما، فيطمع الطامح في وصف جماله، ويخشى الزائع وصف جلاله.

وإمعانا في الامتنان على أصحاب الجنان: جاء وصف السدر مخضودا من الشوك، فلا شوك فيه يؤذي من يتناوله ككثير من ثمار الدنيا فلا تنالها اليد إلا بعد معالجة الشوك والأغصان، فيحصل لها من الأذى ما ينغص المنة بها على ما اطرد في شوب نعم الدنيا بالأكدار، وإن قلت، لتتمايز من نعم الآخرة الكاملة فلا شوب ولا كدر فيها ينغص على متعاطيها.

وفي معرض الإطناب في أنواع الثمار، ورد ذكر:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير