تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

طَلْحٍ مَنْضُودٍ: فهو متراكب طيب الريح، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك مئنة من كثرته وجودة صنفه، والتنكير الذي اطرد في بيان أجناس النعيم في هذا السياق محمول على التعظيم والتكثير لقرينة الامتنان، فلا يكون إلا بكثير العدد كامل الوصف.

وَظِلٍّ مَمْدُودٍ: فذلك فرع عن الشجر فناسب اقترانه به في الذكر.

وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ: فذلك طيب المشرب، وسكبه مئنة من رقة سيلانه فليس صبا كما يصب العذاب، وليس منقطعا شحيحا يضجر الشاربون بما ينالهم من النصب قبل نواله، كما يقع في زماننا، إذا انقطعت المياه، أو في البلاد التي لا تصلح المياه فيها للشرب، وإن لم تنقطع!، فغايتها أن تغسل بها الأواني وتزال بها النجاسات، فقد بلغ التلوث الكيميائي والبيولوجي فيها مبلغا عظيما صيرها غير صالحة للاستهلاك الآدمي، فمن ابتلي بتناولها فليحترز قدر الاستطاعة بالإقلال من تناولها، وغليها قبل استعمالها في مطعوم أو مشروب، فتلك نصيحة المتخصيصين في مجال تلوث المياه، وليتذكر كمال تلك النعمة في الدار الآخرة فذلك مما يهون عليه مرارة تعاطي ما ليس منه بد لحفظ المهج من التلف.

وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ: فوصفها بالكثرة فذلك مما يؤيد كون التنكير في هذ السياق مئنة من الكثرة التي نص عليها، فالتذييل بوصف الكثيرة على جهة المبالغة ينزل منزلة التوكيد للمعنى الذي دل عليه التنكير، وأيده السياق، وهو، أيضا، مئنة من الجودة، فهو كثير العدد عظيم الوصف، فيكون التنكير، أيضا، لتعظيم الوصف، فهي فاكهة: لا تنقطع في زمان دون زمان فذلك مئنة من جودتها، ولا تمتنع بشوك أو نحوه يحولها بينها وبين متناولها، كما أثر ذلك عن قتادة رحمه الله، وذلك وجه من أوجه الضر المنفية فينزل منزلة الإشارة إلى انتفاء بقية صور الضر من فساد للثمرة أو مرارة في الطعم ..... إلخ، فيكون ذلك جاريا مجرى التنبيه بفرد من أفراد العموم على بقية أفراده، كما تقدم في مواضع سابقة، من كلام المحققين من أهل أصول التفسير الذين جعلوا ذلك من صور البيان بذكر بعض أفراد العام فلا يخصصه، والسياق شاهد لذلك، فنفي كل صور الضر التي تنغص على المتنعم نعمته آكد في بيان المنة الربانية عليه بكمال النعمة وصفا وقدرا، وتكرار أداة النفي: لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ، جار، أيضا، مجرى التوكيد على نفي وصف السوء فذلك أكمل في بيان كمال النعمة، كما تقدم.

ثم جاء بيان كمال الفرش التي يجلس عليها المتنعم، وكمال وصف من يجاوره عليها فـ:

فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ: فإما أن تحمل على الحقيقة وهي الفرش المبسوطة، وإما أن تحمل على المجاز، عند من يقول به، فيطلق الفراش ويراد الحال فيه من الحور العين، فيكون مجازا مرسلا علاقتة المحلية، إذ أطلق المحل وأراد الحال فيه، أو يطلق الفراش ويراد المجاور له، فالجالس عليه مجاور له بداهة، فيكون، أيضا، مجازا مرسلا، علاقته المجاورة، كما أشار إلى ذلك صاحب: "منتهى الأرب" رحمه الله، فهذان وجهان للمجاز تحمل فيهما الفرش على الجالس عليها على جهة الحلول أو المجاورة، وذلك شاهد لمن جوز دلالة المشترك اللفظي على معنييه، فله معنى حقيقي وآخر مجازي، والسياق لا يمنع إرادة كليهما، بل إن ذلك مما يثري المعنى، بزيادة أوجه المنة، وقد تفرع عن ذلك: حمل الرفع الذي وصفت به الفرش على: الرفع الحسي، إن حمل المشترك على حقيقته، وهي الفرش المحسوسة، أو الرفع المعنوي إن حمل المشترك على مجازه، وهو: الحور العين، كما تقدم، فهن مرفوعات على نساء الدنيا بجمال الخَلق والخُلُق، ولا مانع هنا، أيضا، من حمل لفظ الرفع على كلا النوعين: الحسي والمعنوي، فهو دال بأصله على معنى الرفعة، وهو معنى كلي يقبل الانقسام إلى معنى يدرك بالحس، فذلك ارتفاع الفرش، وآخر يدرك بالعقل، فذلك ارتفاع الحور العين، فيكون ذلك، أيضا، شاهدا لمن جوز الجمع بين دلالتي المشترك: الحقيقية والمجازية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير