تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 04 - 2010, 07:45 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ):

فذلك جار مجرى الاستدلال بآيات الربوبية الكونية على وجوب تصديق آيات الألوهية الشرعية، ولما كان السياق سياق امتنان وتذكير بنعمة الإيجاد المعجز، بتقدير الخلق من الأزل، والبرء من العدم، والتصوير على هذا النحو من الإتقان، ناسب ذلك أن يرد المسند إليه على حد ضمير الجمع، فهو، كما تقدم مرارا، على وزان قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)، فالجمع مئنة من التعظيم ودليل على تعدد أوصاف كماله التي بها كان الخلق، فالجمع باعتبار المعاني القائمة بالذات القدسية، التي عنها تصدر الكلمات الكونية النافذة بالتقدير الأزلي والخلق الإيجادي، فعلم أزلي ثم كتابة، ثم مشيئة لوقوع المقدور، ثم خلق له، بقدرة نافذة وحكمة بالغة، فيقع كما قدره الرب، جل وعلا، أزلا، بلا زيادة أو نقصان، فذلك وصف صنعه المتقن، فحياة الكائن الحساس من الحي الذي لا يموت، نفخها فيه، فهو الحي حياة الأزل والأبد على جهة الكمال المطلق فلا يعتريها ما يعتري حياة البشر من النقص والفناء والعدم، المحيي لغيره فذلك فعله في خلقه، وبعد الخلق العناية فهي من قيوميته، عز وجل، فمنها، أيضا، قيومية الذات فلا يفتقر إلى ما سواه، وقيوميته لعباده إعدادا للمحال لقبول أسباب الصلاح الكوني والشرعي، وإمدادا بأسباب ذلك من الوحي النازل والغذاء النابت، فهو قيوم الروح بالوحي الشرعي، قيوم البدن بالقدر الكوني، إذ يسر أسباب الحياة فلم يخلق العباد هملا، ولم يخلقهم ثم احتار كيف يرزقهم!، بل منته بالخلق، ثم بالعناية بحفظ المخلوق بأسباب الشرع والكون، وهما الدلالتان اللتان اطرد الاحتجاج بهما في مقام إثبات وجوب إفراده، جل وعلا، بأجناس التأله، فجاء التذكير على حد الاختصاص والتوكيد بتقديم المسند إليه: (نحن)، وإيراد المسند فعلا: (خلقناكم)، فنحن تعيينا لا غيرنا خلقناكم، إن كان المخاطب قد بلغ به فساد العقل أن يعتقد أن غير الله، عز وجل، قد خلقه!، أو نحن تعيينا وحدنا فلم يشركنا أحد لمن اعتقد مشاركة غير الله، عز وجل، له في الخلق، فنحن على كلا التقديرين، خلقناكم، نفيا لانفراد غيره، تبارك وتعالى، بخصيصة من خصائص الربوبية التي لا يتصف بها غيره، ونفيا لمشاركة غيره له فيها، فهي، كما تقدم، خصيصة، والخصيصة لا تتصور فيها الشراكة فذلك مبطل لمعنى الاختصاص فيها، فلم يخلقكم غيرنا، ولم يشركنا غيرنا في خلقكم، فإذ كان الأمر كذلك، وكان وصف الربوبية فيه، تبارك وتعالى، متحققا وفي غيره متخلفا، صار الواجب شرعا وعقلا، إفراده، جل وعلا، بالتأله الشرعي، فرعا عن انفراده بالخلق والتدبير الكوني، فلا إله إلا هو إذ لا رب إلا هو، فلا يستقل بالخلق والإيجاد إلا هو، فغيره سبب يتوصل به إلى الخلق، فالتقاء النطف سبب لإيجاد الحياة فلا يوجبها فكم من نطف قد استقرت في الأرحام، ولم يشأ الرب، جل وعلا، لها البقاء ففنيت قبل نفخ الروح أو بعده، ونفخ الملك سبب، فلا يدبر أمر النطفة وكتابة الرزق والأجل والمصير إلا بإذن الرب العلي القدير، فلا بد أن تنتهي الأسباب إلى سبب ليس وراءه سبب، هو كلمته الكونية النافذة الصادرة عن كمال أوصافه الفاعلة في خلقه إيجادا وإعدادا وإمدادا، فهو الرب، المستحق بذلك الإفراد بالتأله باطنا وظاهرا، فهلا تصدقون، على جهة الحض، إذ الخطاب لمنكري البعث وجاحدي الشرع، فهلا إذ علمتم انفراده بالربوبية أفردتموه بالألوهية، فضمنت: "لولا" معنى الحض الذي يرد في سياق الإنكار، وقد يرد في سياق الإكرام في نحو: هلا زرتنا، فيكون عرضا لا إزعاج فيه كالحض الذي تزعج فيه النفوس إزعاجا فهي مظنة التقصير الذي يستوجب زجرا وتوبيخا ليمتثل المقصر ما فرط فيه، والقرينة السياقية، كما تقدم مرارا، هي التي تعين مراد المتكلم من الألفاظ ذات الدلالة المعنوية المزدوجة، فـ: "لولا": للحض والتوبيخ في موضع، وللعرض والتكريم في موضع، وتلك دلالتان متضادتان للفظ واحد، فينزل منزلة الأضداد من هذا الوجه، وهي من أشد الألفاظ إجمالا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير