تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لازدحام المعاني المتباينة بل المتضادة فيها، فدلالة اللفظ على الشيء وضده توقع السامع في حيرة، فلا ينجلي له الأمر إلا بقرينة سياقية تعين مراد المتكلم، فقرينة خطاب المنكر في هذا السياق قد رجحت معنى الحض والتوبيخ، فلا يتصور أن يكون الخطاب عرضا رفيقا، فزجر المشرك مقام جلال لا يحسن فيه خطاب الجمال، فزال الإجمال في اللفظ بقرينة السياق، وذلك أصل مطرد في بيان دلالات الألفاظ المشكلة، وبه استدل من استدل على نفي وقوع المجاز في الكتاب العزيز، فلا يخلو السياق من قرينة تعين المراد فتحرف دلالته إلى المعنى المرجوح، إن كان هو المراد، فذلك مما يرجح خلاف ظاهر اللفظ، وهو عند التحقيق، الظاهر المراد في هذا الموضع، وإن لم يكن كذلك في مواضع أخر، أو كان خلاف الظاهر المتبادر من دلالة اللفظ المعجمية التي لا ينظر فيها إلى قرينة السياق، فقرينة السياق التي لا يمكن معرفة المراد بمعزل عنها، جزء من الدلالة المعنوية للفظ في هذا الموضع بعينه، فيكون الظاهر المتبادر في هذا الموضع مركبا من اللفظ ذي الدلالة المعجمية والقرينة المعينة للمراد منه فهو محتمل لأكثر من معنى ولو مرجوحا، وهو غير الظاهر المتبادر منه في مواضع أخر لاختلاف القرينة، فهي هنا، على سبيل المثال، ترجح معنى التوبيخ، وفي سياق العرض الرفيق من قبيل: هلا زرتنا ترجح معنى التكريم، واللفظ في كلا السياقين حقيقة في المعنى المراد منه فانتفى المجاز من هذا الوجه، ومن يثبت المجاز فإنه يعتمد القرينة أيضا في تعيين المعنى المراد ولكنه يزعم دلالة اللفظ ابتداء على غيره بحكم الوضع الأول الذي تحرف القرينة دلالته إلى المعنى المراد، فدلالة اللفظ عنده إفرادية فليس السياق جزءا منها بل هو قرينة دالة عليها، بخلاف الأول الذي يرى القرينة السياقية جزءا من معنى اللفظ، فلكل لفظ معنى بعينه تبعا للسياق الذي يرد فيه كما تقدم. والخلاف في مثل هذه المواضع يكاد يكون نظريا، فمؤدى القولين واحد، وإنما يظهر أثر الخلاف، كما تقدم في مواضع أخرى، في الخبريات التي لا يدرك العقل أو الحس حقيقتها، فلا قرينة من عقل أو حس تشهد لتأويلات المتأولة في باب كالأسماء والصفات، فإن لم توجد قرينة لفظية تدل على خلاف الظاهر: وجب حمل اللفظ على الظاهر اللائق بجلاله عز وجل، وإن وجدت القرينة فلا تأويل، لأن الظاهر، حينئذ هو المراد، أيضا، ولكنه، كما تقدم: مركب من الدلالة المعجمية الإفرادية والدلالة السياقية التركيبية.

فثبت معنى الزجر الحامل على التصديق، فهلا صدقتكم بالوحي، ولا يكون تصديق إلا بقرينة الامتثال، فليس التصديق معرفة مجردة من العمل، فالعمل بينة العلم، فهو الشاهد له، فلا ينفك عنه، فذلك من التلازم الوثيق الذي سبقت الإشارة إليه مرارا، فلا ظاهر إلا بباطن يصدر عنه صدور المعلول من علته، أو اللازم من ملزومه، أو النتيجة من سببها، فكلها علائق وثيقة لا انفكاك بين طرفيها، فالتصور العلمي مؤد لا محالة إلى حكم عملي، يشهد له، وإلا كان كذبا أو نفاقا، فلم يتصور صاحبه ابتداء، جحودا أو إنكارا أو جهلا أو نفاقا، ليمتثل انتهاء، فتصديق الخبر على جهة الإقرار الجازم نصف، وامتثال الحكم على جهة الانقياد نصف آخر، بهما تكتمل حقيقة التصديق، وإلا كان، كما تقدم، دعوى عرية عن البرهان، بل التصديق في نصوص الوحي قد جاء بمعنى البرهان العملي، كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ"، فذلك نص في محل النزاع يحسم الخلاف في دلالة التصديق على العمل فهو دال عليه من كل وجه، إما: تضمنا، إذا أفرد عنه بالذكر، فيدل على العلم الباطن ودليله من العمل الظاهر، وإما لزوما إذا اقترنا، فيستقل التصديق بالباطن، ويستقل العمل بالظاهر، وإن كان منه ما هو باطن كالتوكل والاستعانة والرجاء والإنابة ...... إلخ من الحركات القلبية بالإرادات العملية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير