تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك القدر الفارق بين كل نوعين أو فردين في الخلقة الظاهرة مما ينتفع به في سائر العلوم كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم، فبه يقع التمايز بين أي موجودين باستقلال كل بسمات لا توجد في غيره، وذلك، كما تقدم، مئنة من إتقان صنع الباري، عز وجل، وبه يزول إشكال النفاة والمؤولة في باب الصفات الإلهية إذ القدر المشترك بين الأوصاف التي يجوز إطلاقها على الرب، جل وعلا، والعبد معا، لا يلزم منه التماثل أو التشابه إلا في المعاني الكلية المشتركة التي لا توجد إلا في الأذهان فلا وجود لها في الخارج ليلزم من إثباتها تمثيل أو تشبيه، والقدر الفارق هو الذي به يستقل كل موصوف بما يلائم ذاته كمالا أو نقصانا، فكما وقع التفاوت بين البشر، كمالا أو نقصانا، فليس علم العالم كعلم الجاهل وإن اشتركا في أصله، فالتباين كائن في العلم فرعا عن التباين في الذات، فتتفاوت العلوم بتفاوت أصحابها، فلم يلزم من اشتراكهم في أصل الصفة اشتراكهم في قدرها، فلكل منهم قدر منها يلائم حاله، فكما وقع ذلك في عالم الشهادة، فوقوعه في عالم الغيب بالنظر إلى صفات الرب، جل وعلا، كائن من باب أولى، فليس مجرد الاشتراك في الوصف الكلي الجامع بمقتض الاشتراك في المعنى الجزئي خارج الذهن، بل لكل، كما تقدم، وصفه الذي يليق به كمالا أو نقصانا، فالقدر الفارق بين علم الرب، جل وعلا، المحيط، وعلم العبد، كالقدر الفارق بين ذات الرب، جل وعلا، القدسية، وذات العبد الأرضية الطينية.

فناسب ذلك الحال الاعتباري: الإتيان بفعل الرؤية: (أفرأيتم): الذي يدل على نوع تعجب من حال المرئي، فالرؤية فيه تحتمل الرؤية القلبية العلمية، نظرا وتدبرا، وهي المراد الأول في هذا السياق، ولا يمنع ذلك من إرادة الرؤية البصرية الحسية فبمدركاتها الحسية تعمل القوى الباطنة تصورا وحفظا وتعقلا، فالقوة الحسية الظاهرة لا تنفك عن أثر ظاهر في القوة القلبية الباطنة، فما تشاهده العين تخييلا، تتحرك النفس فيه فكرا ونظرا، فلا يتحرك القلب معنى إلا فرعا عن حركة العين حسا، فذلك من التلازم الوثيق في التأثير والتأثر بين الباطن العلمي والظاهر العملي، فالعين تؤثر في القلب بما تراه حسا، فإن كان المرئي صالحا أفاد القلب صلاحا بما يكتسبه من صورة علمية نافعة يحفظها ثم يتحرك في أرجائها بما أوتيه من قوى الفكر فيتولد من تلك الحركة الباطنة إرادات عملية نافعة يظهر أثرها على القلب، وأعماله من الدقة بمكان، ولذلك كان مرد الأمر عند التحقيق إليه فالقيام بصورة العمل الظاهر وإن كان فيه مشقة إلا أن تحرير النية قبل الشروع فيه وأثناءه بل وبعده من أعسر ما يكون إذ لا حظ للنفس فيه، وأعمال القلوب إجمالا من توكل ورجاء وإنابة ...... إلخ، أعسر من أعمال اللسان والجوارح، فالصور الظاهرة قد تتساوى في الأداء وبينها من التفاوت فرعا عن التفاوت في منشئها الباطن ما لا يحصيه إلا رب الأرض والسماوات، والقلب يؤثر في العين أيضا، فذلك من تأثير الباطن العلمي على الظاهر العملي، فالأول تصور والثاني حكم يتولد منه، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، فيصدق إيجابا أو سلبا، قبولا أو ردا فرعا عن التصور الأول، فمرتبة التصديق تلي مرتبة التصور كما اطرد في كلام أهل النظر، فصار التلازم بين الباطن والظاهر كائنا بل واجبا، بخلاف من توهم إمكان تجريدهما فافترض باطنا مجردا من ظاهر يدل عليه، إذ بصلاح الباطن يصلح الظاهر لزوما، فللتابع حكم المتبوع، وللفرع حكم الأصل الذي تولد منه، فجنود البدن الظاهر تأتمر بأمر الملك الباطن، فلا تصدر إلا عن وحيه، وافترض في المقابل ظاهرا مقطوع النسبة إلى الباطن، فيصح عنده أن يكون الباطن في غاية الصلاح، والظاهر الدال عليه لزوما في غاية الفساد، وهذا قول في غاية الفساد ينقض ما يجده المكلف من نفسه اضطرارا من تلازم وثيق بين إرادته الباطنة وأفعاله الظاهرة فهو حساس متحرك بإرادة مختارة، وإن كانت لا تخرج عن إرادة الرب الخالق، جل وعلا، الذي خلقه وخلق إرادته ويسر له أسباب الصلاح فضلا، أو الفساد عدلا، فبحكمته أعطى كل نفس ما يلائمها فأعد نفوسا للخير وأمدها بأسبابه، وأعد أخرى للشر وأمدها بأسبابه، وكل ميسر لما خلق له، فلا يمكن أن يخالف الظاهر الباطن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير