تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 04 - 2010, 01:52 م]ـ

ومن قوله تعالى:

فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم: ٌ

فـ: "لا" زائدة لتوكيد القسم، على وزان قوله تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)، فالتقدير: أقسم قسما مؤكدا بمواقع النجوم، أو لا أقسم فالأمر أظهر من أن يقسم عليه، وهذا معنى ألطف، أشار إليه ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب"، وذكره صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

ثم جاء الاعتراض مئنة من عظم شأن القسم فهو تنويه بشأنه، فجاء التوكيد بالناسخ، والاعتراض: "لو تعلمون"، فهو اعتراض في اعتراض، كما حكى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وأشار إليه ابن هشام، رحمه الله، بقوله:

"السابع، (أي من أوجه الاعتراض): بين الموصوف وصفته كالآية، (أي: قوله تعالى: "وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم")، فإن فيها اعتراضين: اعتراضاً بين الموصوف وبين قسَم وصفته وهو عظيم بجملة لو تعلمون، واعتراضاً بين: (أقسم بمواقع النجوم) وجوابه وهو: (إنه لقرآن كريم) بالكلام الذي بينهما، وأما قول ابن عطية ليس فيها إلا اعتراض واحد وهو: (لو تعلمون) لأن: (وإنه لقَسَم عظيم) توكيد لا اعتراض فمردود؛ لأن التوكيد والاعتراض لا يتنافيان". اهـ

فضلا عن التوكيد باللام وتنكير القسم مئنة من عظم شأنه مع وصفه بالعظم صراحة، فهو قسم من الرب، جل وعلا، عظيم فكل أسمائه وصفاته وأفعاله، تبارك وتعالى، عظيمة، قد بلغت الغاية من عظم الشأن والقدر، فذلك فرع عن عظم ذاته، عز وجل، وذلك معنى اسمه العظيم، فهو دال على ذات عظيمة، موصوفة بالعظم الذي عم ما تقدم من الذات القدسية وما قام بها من الأسماء الحسنى والصفات والأفعال العلية، فالقسم من أوصاف الرب، جل وعلا، الفعلية، فيثبت لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، فليس فعله من جنس أفعال البشر، بل قد تفرد بوصف لا يماثله وصف، كما انفرد بذات لا تماثلها ذات، فلذلك صح في حقه، جل وعلا، الإقسام بما شاء من مخلوقاته، فذلك مئنة من عظم المقسم به، وهو الوجه الثاني في هذه الآية، فالقسم مصدر قد يطلق على المقسم به، فيكون ذلك من تبادل الصيغ، أو مجاز التعلق الاشتقاقي، عند من يقول بالمجاز، ومن ينكره، فإنه على أصله الذي سبقت الإشارة إليه مرارا، فلسان العرب حكم عدل في هذا النزاع، فما تكلمت به، فهو حقيقة، وإن خالف ما اصطلح عليه من دلالات الألفاظ، فالتقسيمات الاصطلاحية المتأخرة، لا تصلح للحكم على لسان تقدمها، وإنما يحكم على الكلام بلسان أهل زمانه أو زمان تقدمه، وذلك أصل جليل، رد به أهل العلم كل ما أحدث في الملل والنحل، بل والفروع العملية من أقوال حملت فيها ألفاظ التنزيل على اصطلاحات حادثة متأخرة، بعد انقضاء زمن الرسالة، فهي تخالف ما نطقت به الأنبياء، عليهم السلام، وما جاءت به الكتب السماوية، وما تعارف عليه أهل الزمان، من دلالة الألفاظ والتراكيب على معان بعينها، فأحدثت معان باطلة، وحملت عليها الألفاظ المتقدمة، كما صنع النصارى في لفظ: "الابن"، على سبيل المثال، فهو محمول في لسان العبرانيين الذي نطق به المسيح عليه السلام على العبد المقرب، وبه جاء التنزيل في مواضع من قبيل قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، فحمله بعضهم على البنوة الحقيقية، وهذا قول عوام النصارى، فليس في كلامهم ما في كلام الخواص من الروغان بتأويلات متكلفة لو صحت لبطلت دلالة اللسان والعقل على المعاني، فلكل أحد أن يبتكر ما شاء من المعاني ويحمل عليها الألفاظ حملا، فيأتي التفسير: تأويلا باطنيا يأتي على أصول الديانات أخبارا وأحكاما بالبطلان، فمؤدى هذا القول: حمل لفظ الابن على اللاهوت الذي حل في الناسوت، بزعمهم، وليس في لسان الأنبياء أو غيرهم إطلاق لفظ الابن على اللاهوت، وإنما المشهور المتداول في الكلام عند سائر الأمم، بل والعقلاء من البشر: حمل الابن على الناسوت المخلوق الذي يقره الرب، جل وعلا، في الأرحام ما شاء، وحمله بعضه على الكلمة التي تجسدت في الناسوت، وذلك، أيضا، من المحال بمكان، فلا تظهر الصفة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير