تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكنايات التي تدل على الطلاق دلالة غير مباشرة، فالألفاظ الصريحة يقع بها الطلاق ولو لم ينوه القائل، بخلاف الكنايات فإنها تفتقر إلى العرف الذي يصيرها مئنة من الطلاق، وإن لم تكن مباشرة فتفتقر إلى النية التي تصيرها نصا جازما في إرادة الطلاق. فالكنايات الخاصة تفتقر إلى قرينة عرفية، بخلاف الكنايات العامة كسائر كنايات التنزيل فإنها معلومة عند كل مخاطب، وذلك من بلاغة التنزيل، فيدركها أهل كل زمان بلا تفاوت في الفهم، ففي قوله تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)، كناية عن النساء بذكر خصلة نفسانية من خصال النساء، وهي عامة في كل النساء، فلا تختلف دلالتها باختلاف الأعصار أو الأمصار، فلا توجد امرأة لا تحب الزينة.

وفي المقابل لا يجوز للمخلوق أن يقسم إلا بالله، عز وجل، لما بين الخالق والمخلوق من التباين في الذات والوصف كما تقدم.

إنه لقرآن كريم:

فذلك من التوكيد بالناسخ المؤكد واللام المزحلقة، فضلا عن تنكير القرآن، على ما اطرد من التنكير تعظيما، وهو في نفس الوقت، موطئ لما بعده، فليس المراد الإخبار عنه بأنه قرآن، فذلك مما يعرفه كل أحد، فهو القرآن المجموع، كما تقدم، في صدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصدر الحفظة من بعده، قد جمعت كلماته في الآي، وآياته في السور، ومعانيه الكثيرة في ألفاظه القليلة، فذلك من وجوه إعجازه العديدة، فذلك وجه من وجوه كرمه، فإن الكرم مادة تدل على الكثرة، فالناقة الكريمة: غزيرة اللبن، فذلك الكتاب العزيز كريم في أخباره وأحكامه، في وعده ووعيده. وفي وصفه بالكرم مئنة من رفعته عن بقية الكتب السماوية، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فارتفع عن التوراة والإنجيل، ففي كل ما ليس في الآخر، فالتوراة عمدة في الأحكام التي تغلب عليها الشدة والجلال، والإنجيل عمدة في الرقائق والمواعظ، فلم ينزل إلا بنسخ جزئي لجملة من أحكام التوراة تخفيفا فذلك مما يلائم وصف الجمال الذي غلب على رسالة المسيح عليه السلام، فقد بعث، كما تقدم، بجملة من الرقائق علاجا لما أصاب قلوب بني إسرائيل من القسوة، ففيهم نزل قوله تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)، على التوسع في أسباب النزول بجعل القصة الماضية سببا في نزول الخبر عنها، مع الفارق الزمني الشاسع بينهما، فجاء الكتاب العزيز مستوفيا لشطر الجلال الموسوي بأعدل الأحكام، والجمال العيسوي بأرق المواعظ، ففي القرآن زاد قلبي بأخباره عن الأمم السابقة ومواعظه، وزاد عقلي بأحكامه وأقيسته التي بلغت الغاية في العدل والاستقامة على سنن العقل الصريح، فليس في أخباره ما يعارض قياس العقل الصريح، وليس في القياس المعتبر ما ينكر خبرا من أخباره أو يستدرك على حكم من أحكامه.

ثم جاء الإطناب في معرض التكريم بتعداد أوصاف الكتاب العزيز فهو: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ: فذلك وصف بمتعلق الجار والمجرور، فيجري على ما اطرد في لسان العرب من تقديم الوصف المفرد على الوصف المركب: جملة كان أو شبه جملة، ويحتمل الحالية لتقدم الوصف المخصص للنكرة، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" بقوله:

"حكمهما، (أي: الظرف والجار والمجرور)، بعدهما، (أي: بعد النكرة والمعرفة)، حكم الجمل، فهما صفتان في نحو: "رأيتُ طائراً فوقَ غُصنٍ، أو على غُصْنٍ"، لأنهما بعد نكرة محضة، وحالان في نحو: "رأيتُ الهِلالَ بينَ السّحابِ، أو في الأفق"، لأنهما بعد معرفة محضة، ومحتملان لهما في نحو: "يُعْجِبُني الزّهْرُ في أكمامِه، والثمر على أغصانه"، لأن المعرف الجنسي كالنكرة، وفي نحو: "هذا ثمرٌ يانع على أغصانه"، لأن النكرة الموصوفة كالمعرفة". اهـ

"مغني اللبيب"، (2/ 104).

والكن مئنة من الحفظ، فهو في اللوح المحفوظ قد سطر، فـ: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)، فجاء بيان الكتاب المكنون في آية البروج على ما اطرد من بيان المجملات القرآنية بمواضع أخر من التنزيل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير