تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من وجوه إعجازه البلاغي.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 08:51 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ):

فذلك من التفريع في معرض التحدي توكيدا على قدرته، عز وجل، على البعث، في مقابل عجزهم، فهو المنفرد ببعث الأجساد ونشرها، فلو كان لهم من ذلك نصيب لدفعوا قدر الموت عن المحتضر، بل كل يحضره، ولا يملك له نفعا، فذلك أمر لا حيلة للبشر فيه، فلا ينزع الأرواح إلا بارئها، عز وجل، فجنده الملكي تتوفى الأنفس إذا صدر لها الأمر الكوني، فدلالة لولا في هذا السياق: تحضيضية في معرض التحدي، فهلا إذا بلغت الروح التي أضمرت مع عدم تقدم ذكر لها لدلالة السياق عليها، فالضمير عائد على غير مذكور، وبلوغ الروح الحلقوم: كناية عن الموت، وهي جارية على ما قرره البلاغيون في مبحث الكنايات، من جواز إرادة المعنى الأصلي، فالروح حال نزعها تبلغ الحلقوم، فكني عن نزعها ببلوغها موضعا بعينه حال النزع الأخير.

وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ: فذلك أبلغ في تقرير التحدي في معرض بيان عجز البشر عن رد قدر رب البشر، جل وعلا، فقدره الكوني نافذ بالإحياء أو الإماتة، فإن شاء أحيى فضلا، وإن شاء أمات عدلا، بل الموت للمؤمن على حال كاملة من شهادة أو صلاة أو ..... إلخ، خير له من الحياة يقينا، فالموت قد يكون فضلا، بل كل ما قدره الرب، جل وعلا، فهو خير، وإن كان ظاهره بخلاف ذلك، فـ: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، فهو خير باعتبار المآل، فبالموت يرتاح الميت إن كان صالحا فيخرج من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وبالموت يرتاح البشر من الكافر، بل يسلم من شؤمه الحيوان البهيم والطير والشجر، وقد شاء الرب، جل وعلا، قبض أرواح لو عاش أصحابها لكفروا في أنفسهم وكفروا غيرهم، كما في خبر الحضر عليه السلام فكان قبض الغلام خيرا له ولأبويه باعتبار المآل، فمات قبل أن يكلف ويكفر، وسلم أبواه من شره.

والخطاب بضمير: "أنتم" فيه من العموم ما في ضمير المخاطب في قول أبي الطيب:

إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيْمَ مَلَكْتَه ******* وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمرَّدَاً

فليس المراد جماعة من المخاطبين بعينهم، بل العموم المعنوي آكد في تقرير معنى التحدي، فأنتم حينئذ تنظرون له بالأبصار، فحذف متعلق فعل النظر، وهو هنا نظر البصر، لقرينة حضور الميت حال النزع، حذف متعلقه لدلالة السياق عليه، فتنظرون بالأبصار المجردة ويخفى عليكم ما غيب عنكم فلا تبصرونه.

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ:

فذلك من الإسناد إلى ضمير الفاعلين على ما اطرد من التعظيم في سياق نزع الروح فهو مئنة من جلال الرب، جل وعلا، وانفراده بذلك الفعل الذي تظهر به آثار قدرته النافذة، فنحن أقرب إليه، فالقرب هنا: قرب ذاتي لا يلزم منه الحلول أو الاتحاد، فإن الكون كله كالخردلة في قبضة أحدنا، بل نسبته إلى الرب، جل وعلا، أصغر من ذلك، فلا منتهى لكمال وسعة وعظم ذات ووصف الرب، جل وعلا، فلا يتصور حلول الكامل العظيم في الناقص الحقير، فإن في ذلك من وصفه بالنقص ما يتنزه عنه بداهة، فقربه بذاته، عز وجل، قرب المحيط بما في قبضته، فالكون كله في قبضة يده، جل علا، على الوجه اللائق بجلاله، وعليه حملت نصوص كنصوص النزول إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير، فليس ذلك بمقتض للإحاطة أو التحيز في جهة مخلوقة، فإن ذلك، كما تقدم من النقص الذي يتنزه عنه الرب، جل وعلا، فجل الخالق أن يحيط به مخلوق محدود، فالنزول نزول يليق بجلاله يقرب فيه من خلقه بذاته القدسية كيف شاء، على وجه لا يقتضي حلولا أو اتحادا، ولذلك نظير في عالم الشهادة يصح القياس عليه بطريق الأولى، فلا يلزم منه تعيين حقيقة الفرع المقيس، وإنما ينتفع بقياس الأولى في تصور المعاني الذهنية دون الحقائق الخارجية فقد استأثر الرب، جل وعلا، بعلم حقيقة ذاته القدسية وصفاته العلية، فلا يعلم كيف هو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير