تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذاتا أو صفات إلا هو، فإن الإنسان قد يقبض بيده على خردلة ويقرب منها دون أن تحيط به قبضته، أو يحل في تلك الخردلة بداهة، فإذا جاز تصور ذلك في حق المخلوق، فهو في حق الخالق، عز وجل، ثابت من باب أولى، فنصوص العلو: ذاتا وصفات: نصوص محكمة، فلا تعارض بشبهة حلول أو اتحاد مستندها قياس تمثيل أو شمول، يقيس فيها العقل وصف الرب، جل وعلا، على وصف العبد فلا يدرك من النزول إلى السماء إلا نزولا يماثل نزول المخلوق من أعلى إلى أسفل فتحده جهة السفل كما تحده جهة العلو فهو محدود محصور في علوه أو سفله، في نزوله أو صعوده، فكيف يقاس الخالق الذي له من وصف الكمال ما له على المخلوق؟!، فالخالق، عز وجل، لا تحده جهة، بل علوه مطلق، فجهته عدمية من المخلوق فليس ثم إلا الخالق، عز وجل، عاليا على عرشه سقف مخلوقاته علوا ذاتيا لازما، فذلك من وصف ذاته المعنوي، مستويا على عرشه على الوجه اللائق بجلاله، فقد علا وارتفع على عرشه بلا افتقار أو حاجة، فهو الغني بذاته وصفاته، فذلك من وصف فعله الخبري، فلا يدركه العقل إلا بتوقيف النقل الصحيح،، فإحكام هذه النصوص لا يعارض بشبهة واهية من قياس عقلي فاسد في باب خبري مستنده نص الوحي المحكم، فيرد ما تشابه منه إلى ما أحكم، فتلك طريقة أهل التحقيق في هذا الباب الجليل، فما توهم العقل منه ابتداء ما يناقض كمال ذات ووصف الرب، جل وعلا، فهو متشابه من هذا الوجه، وإن كان محكما في نفس الأمر، فإنما يعرض التشابه لمن وقع في القياس الفاسد، أما الذي أحكم قياس عقله بلجام القياس الصحيح، فالنصوص في حقه كلها محكمة، فلا تخلو من قرائن سياقية تدل على المعنى الصحيح، كما يأتي في بيان الوجه الثاني من أوجه القرب في هذه الآية، فما توهم العقل منه ما يناقض كمال الذات القدسية والصفات العلية فرده إلى المحكم يزيل الشبهة، فمن توهم من القرب، إن لم يدرك معناه الصحيح فالتبس عليه الأمر، نقصا، وليس فيه نقص، وإنما الأمر كما تقدم لازم قياس فاسد صير المحكم متشابها، من توهم منه نقصا فليرده إلى محكم نصوص العلو: ذاتا وصفات، وهذا أصل جليل في كل نصوص الوحي: أخبارا أو أحكاما.

وإما أن يكون قربا معنويا، فهو مئنة من إحاطة الرب، جل وعلا، بخلقه، فهو قريب منه بعلمه، قريب منه بجنده، حال الحياة فـ: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، وحال الموت فـ: (هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ)، فالسياق يدل على إرادة القرب بملك الموت عليه السلام وأتباعه، فتلك قرينة سياقية انضمت إلى دلالة القرب المعجمية، فهي دلالة كلية تحتمل: القرب بالذات أو بالمعنى، كما تقدم، فيقرب الملك من أحد رعاياه بأتباعه، فإذا أرسل إليه رسولا صح أن يقال بأن الملك بأمرك بكذا أو ينهاك عن كذا، وإن كان الآمر أو الناهي هو الرسول، فما أمر أو نهى إلا بأمر الملك، فيكون قريبا منه من هذا الوجه، ولله المثل الأعلى، فإنه يقرب من عبده حال النزع بملائكته، وإن لم يبصر من حوله ذلك، فلا يرون إلا الجثمان، فقد حجب عنهم ما يجده الميت من آثار النزع، فيرى ما لا يرون، فقد قرب الرحيل إلى دار البرزخ، وأحوالها تغاير أحوال دار الدنيا، فيرى الراحل إلى دار البرزخ ما لا يرى أهل دار الدنيا الذين لما يحن موعد رحيلهم، والشاهد أن القرينة السياقية قد انضمت إلى الدلالة المعجمية الكلية فرجحت فردا من أفرادها هو: القرب المعنوي بالملائكة، كما رجحت القرينة أيضا في نحو قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ): القرب بالعلم المحيط بالأعيان والأحوال، فقرينة: (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)، أو: القرب بالملائكة الحفظة لقرينة الآية التالية: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)، قد انضمت إلى الدلالة المعجمية الكلية أيضا، فرجحت فردا آخر هو: القرب بالعلم، أو القرب بالملائكة، فلكل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير