تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

موضع من القرائن ما يدل على مراد المتكلم، فذلك وجه إحكامه، فهو، كما تقدم، قد يتشابه على من نظر في المعنى الكلي مجردا من سياقه، فيتصور منه معنى باطلا، ولكنه بالنظر إلى مجموع المعنى والسياق الذي يرد فيه محكم لا يتطرق إليه التشابه من أي وجه، فظاهره المركب من المعنى والسياق معا دال على مراد المتكلم، وهذا، أصل آخر في معرفة دلالات النصوص أخبارا كانت أو أحكاما.

ثم جاء التحدي إمعانا في بيان عجزهم في مقابل كمال قدرة الرب جل وعلا: فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ: فهلا إن كنتم غير عبيد تدينون للرب، جل وعلا، اضطرارا أو اختيارا، فكل مدين للرب، جل وعلا، مقهور بإرادته الكونية النافذة، فتلك جهة العبودية العامة، ومن آمن وانقاد فهو مقهور بإرادته الشرعية الحاكمة فلا حظ لنفسه مع حكم الشارع، جل وعلا، فتلك جهة العبودية الخاصة، فالعباد منهم: عبيد خاضعون بالأمر الكوني النافذ، ومنهم عباد خاضعون للأمر الشرعي الحاكم، ولا يخرج جميعهم عن دائرة العبودية العامة فهي أعم من جهة أفرادها، فكلهم تحت حكمه وقضائه، إن شاء عافى فضلا، وإن شاء ابتلى عدلا، فلو صيغ الأمر على طرائق أهل النظر في العموم والخصوص: فالعبودية العامة: أعم من جهة أفرادها فلا يخرج عنها بر أو فاجر، والعبودية الخاصة: أعم من جهة أوصافها ففيها قدر زائد عن العبودية العامة هو: الانقياد للأمر الشرعي، فالانقياد للأمر الكوني: جنس عام يشمل المؤمن والكافر، كما تقدم، والانقياد للأمر الشرعي: فصل، بلغة أهل المنطق يخرج به العبد الكافر، فيتمحض التعريف للعابد المؤمن، فهو عبد من جهة الكون، عابد من جهة الشرع، فهلا إن كنتم خارجين عن حد العبودية العامة، فلكم إرادات تعارض الإرادة الكونية النافذة: تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ: فذلك من الشرط في معرض التحدي تهييجا وإلهابا للمخاطب، فذلك أبلغ في بيان عجزه في مقابل كمال قدرة الرب جل وعلا. فهلا أرجعتم الروح التي شاء الرب جل وعلا: نزعها إن كان لكم من القدرة ما يصلح لمعارضة أمر الرب القدير الحكيم، جل وعلا، فلا راد لأمره لكمال قدرته، ولا معارض له لكمال حكمته، فبقدرته وحكمته يكون قضاؤه في عباده، فلا يأتي القضاء إلا على أكمل الوجوه، فبه تظهر آثار وصف الجلال قدرة، وصفات الجمال حكمة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 05 - 2010, 08:47 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ):

فالتفريع عما تقدم ذكره من منازل البشر، فيكون ذلك من رد العجز على الصدر كما اطرد من كلام البلاغيين، إذ رجع الكلام على صدر السورة، فذلك من توزيع القصة، كما سماه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وهو أمر قد اطرد في التنزيل، إذ ترد القصة مجملة في موضع، مبينة في آخر، وأبرز مثال على ذلك توزيع خبر موسى الكليم عليه السلام، في مواضع من التنزيل، فهي أكثر القصص تكرارا، وفي كل موضع ما ليس في البقية، فتكتمل صورة الاستدلال بتتبع موارد الخبر، فذلك مئنة من بلاغة التنزيل في تنويع السياق طردا للسآمة والملل، وذلك جار على ما اطرد من طريقة أهل الحق في جمع أدلة الباب، فذلك أسلم من الخطأ وأقرب إلى تحرير المسألة: علمية كانت أو عملية، فالإجمال قد يبين في موضع، والعموم قد يخص، والإطلاق قد يقيد .... إلخ من صور البيان، وتلك، كما تقدم في مواضع سابقة، طريقة أهل التحقيق من المفسرين، فما أجمل في موضع من التنزيل بين في آخر، فإن لم يرد البيان في الكتاب ففي السنة، فإن لم يوجد ففي أقوال المفسرين من الصدر الأول، ومن تلاهم من أهل القرون المفضلة، فإن لم يوجد ففي كلام العرب فهو الحجة في بيان آي الكتاب العزيز فبلسانهم نزل، وببيانهم ورد، فنزل بلسان قريش، لسان العرب العام، فهو لسان عالمي بين قبائل العرب، فآدابهم: نظما أو نثرا، قد نقلت إلينا بلسانهم إلا ما ندر، ففي كلام العرب المنقول بل في التنزيل من لسان بقية القبائل ألفاظ قليلة، عني بها أهل القراءات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير