تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فجاء التفريع بـ: "أما"، وجاء الشرط بـ: "إن" في معرض استيفاء أوجه القسمة العقلية.

و: "من" بيانية جنسية لا تخلو من معنى التبعيض فهو فرد من أفراد المقربين، فإن كان ذلك حاله فهو من المقربين أو السابقين الذين ورد ذكرهم في صدر السورة، فجزاؤه: روح، فحذف المبتدأ المسند إليه إيجازا لدلالة السياق عليه، أو هو على تقدير: فله روح، فيكون المحذوف هو الخبر المسند، والربط بالفاء مئنة من الفورية فترتب على الوصف جزاؤه على جهة التعقيب، على ما اطرد في دلالة الشرط، فالمشروط يدور مع الشرط وجودا وعدما، ففي الشرط وصف أو معنى يصلح لتعليق الحكم المستفاد من لفظ المشروط عليه، فيدور معه وجودا وعدما، على ما اطرد في كلام أهل البلاغة والأصول من دوران الحكم مع الوصف وجودا وعدما، والتقديران جائزان، فيجوز أن يكون المحذوف مبتدأ أو خبرا، فكلا التقديرين جائز على وزان: يمين الله لأفعلن كذا، فتقدير الكلام: قسمي يمين الله، على تقدير المحذوف مبتدأ، أو: يمين الله قسمي على تقدير المحذوف خبرا، وقد يقال بأن تقدير المحذوف مبتدأ في الآية، أليق بما اطرد في لسان العرب من حذف المسند إذا دل السياق عليه، فالسياق سياق تقسيم في معرض بيان الجزاء، فيكون التقدير بداهة من جنس مادة الجزاء، فحذف المسند إليه إذا دل عليه السياق أمر قد اطرد في التنزيل وفي كلام العرب، فمن شواهده في التنزيل: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)، أي: أنا عجوز عقيم، بقرينة ظهور المسند إليه في موضع آخر من التنزيل: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)، ومن شواهده في كلام العرب:

قنافذ هداجون حول بيوتهم ******* بما كان إياهم عطيه عودا

أي: هم قنافذ هداجون.

وقد يقال بأن تقدير المحذوف مسندا: "له"، فيكون تقدير السياق: فله روح، آكد في تقرير المعنى لما اطرد في كلام البلاغيين من دلالة تقديم ما حقه التأخير على الحصر والتوكيد فله وحده لا لغيره، باعتبار نوعه، لا شخصه، فالنعيم معنى عام لا يختص بأفراد بعينهم، وإنما يختص بأفراد تحقق فيهم الوصف الجالب للحكم، وجاء بيان الجزاء مطنبا فذلك آكد في سياق الترغيب: فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ:

فروح مادة تدل على الخفة واللطافة، فالروح، كما يقول صاحب "اللسان" رحمه الله هو: نَسِيم الهواء، فالنسيم مظنة الخفة واللطف، وكذلك الروح المخلوق الساري في البدن، فهو الحافظ له من الفساد، فالروح: جسم لطيف لا يقر إلا في الأبدان الصحيحة، فإن خالطتها الأغيار الكثيفة ففسد البدن بمرض عضال أو أخلاط غليظة لا تلائم خفة الروح فإنها، بإذن الرب جل وعلا، تغادر المحل الفاسد، فتنزع من البدن حال القبض فلم يعد محلا ملائما لها، فإن الخفيف اللطيف لا يقر إلا في محل صالح، فإن فسد المحل وكثف وغلظ بما يرد عليه من أخلاط المرض، فإن الروح لا يقر لها قرار فيه، فتحين ساعة الرحيل، فيعطب البدن بمفارقة مادة حياته، بل لو كان صحيحا فنزعت الروح منه بموت فجأة لسقط وفسد، فسرعان ما يدب فيه العطب، والروح مادة تدل، أيضا، على الراحة، وهي مظنة الخفة، فذلك من أجناس النعيم في كلا الدارين، ولكن راحة الدنيا لا تسلم من كدر المنغصات، فلا راحة كاملة في دار الابتلاء، بل لا بد من شوب ألم وهم وحزن، به يبتلى العباد فيعرف الصابر من الجازع، فتشتاق النفوس لزوما إلى دار الراحة الأبدية والنعيم الخالص الناصح من شوب الآلام، في دار الرضوان، فلا نصب ولا وصب، فلا يشقى أهلها ولا يمرضون بأوجاع أهل الدنيا التي لا يسلم منها جسد وإن طالت عافيته، فيناله شاء أو أبى حظه من المرض، فضلا عما يجري عليه من أعراض النقص الجبلي، فكل ذلك فرقان عظيم وبرزخ جليل، بين الرب الكامل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله والعبد الناقص، فوصفه على الضد من وصف الرب، جل وعلا، وإن ادعى الكمال فتلك دعوى كذب يشهد حاله ببطلانها، فلا يخلو في حال من أحواله عن افتقار لازم إلى أسباب الحياة التي يجريها رب الأسباب، جل وعلا، فهي من جملة رحماته الكونية العامة، فتظهر آثارها على البر والفاجر، فالروح تأتي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير