تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

، فالإسلام قد امتاز بوسطية حقيقية، لا وهمية كوسطية زماننا!، فوسطية في الاعتقاد، ووسطية في التصور العلمي فلا إفراط في الجانب الغيبي يخرج صاحبه عن حد المعقول الصريح إلى حد الخرافة، كما هي حال من غلا في تتبع الغيب، وجوز تعارض الإيمان والعقل، فلا يكون الإنسان مؤمنا إلا إذا ألغى دلالة عقله بالكلية، فآمن بمحال عقلي، أو خرافة لا أصل لها تصير الأديان: موروثا ثقافيا شعبيا، فهو قصص وحكايات، وخوارق وكرامات، تشبه ألف ليلة وليلة، أو سيرة الهلالي ..... إلخ من صور الفلكلور الشعبي!، وهو الإسلام الذي يروق كثيرا للغرب، ولذلك يحظى بتأييد كبير من دوائر صنع القرار في الغرب التي أوصت الحكومات هناك بمد جسور التعاون مع هذا التيار المعتدل!، فلا يعنيه إلا الغلو في صالح أو طالح، فينسج له من الخوارق ما يضحك منه كل ذي عقل، ولو لم يكن من أتباع النبوات التي قضت على تلك الخرافات قضاء مبرما، ويعيش على اجترار مآثر وكرامات فلان أو فلان من الأئمة أو الأولياء، وربما لم يكن متبوعه إماما أو وليا، بل هو طالح رقيق الديانة مخروم المروءة، بل ربما كان كافرا، بل ربما كان عدما لا وجود له، فهو خرافة من الألف إلى الياء، فمن هذا حاله كيف يصمد لقتال عدو، وكيف يعد العدة الإيمانية والفكرية لمنازلة العدو الذي أجلب علينا بخيله ورجله المادي والمعنوي فألجأنا إلى رد عدوانه، ولو بالكلمة الصادقة، فقد عجز كثير منا إلا من رحم ربك عن حمل السلاح لرد الصائل، فلا تزال طائفة قائمة بهذا الفرض، فهو ماض إلى قيام الساعة، ولكنها طائفة قليلة العدد والعدة، لا تحظى بأي دعم أو تأييد، بل حظها من أبناء جلدتها: التشويه والحصار والتجويع، كما هي حال المقاومة في البؤر المشتعلة في الأرض المقدسة والعراق وبلاد الأفغان والقفقاز ..... إلخ، فلا أقل من كف الألسن على طريقة:

لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ ******* فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ.

فمن راح في غيبوبة الخرافة، كيف يكون له نصيب في جهاد جحة وبرهان، أو سيف وسنان، وهو قد عمره في الرقص في حلقات الذكر؟!.

وفي المقابل لا تفريط في الجانب الغيبي، كرد فعل للإفراط فيه، كما هي حال العلمانيين والملحدين الذين ردوا الغلو بغلو يماثله، ولكن على الضد منه، فلا يؤمنون إلا بالجانب المادي المحسوس من هذه الحياة، مع أن الإنسان لا انفكاك له عن الإيمان بالغيب، وإن جحد ذلك، فتلك ضرورة يجدها كل إنسان، فقد ركبه الرب، جل وعلا، من روح لطيفة غذاؤها الرئيس بل الوحيد: الوحي، والوحي غيب لا يدرك كنهه إلا الأنبياء، عليهم السلام، فلا يدرك غيرهم منه إلا آثاره النافعة التي تقتات منها الأرواح غذائها المعنوي المعقول، وجسد يقتات من خشاش الأرض فذلك غذاؤه المادي المحسوس، فمن جعل الحياة كلها: مادة، فهو بهيمة في مسلاخ بشر، لا حظ لروحه من الآدمية، إلا بقدر ما تتحرك به أعضاؤه لنيل شهواته: نيل الحيوان حظه من المطعم والمشرب والمنكح ..... إلخ، فالإيمان بالغيب مئنة من كمال آدمية صاحبه، وإنكاره بالكلية إنكار لقوى التصور العقلية، وذلك انحطاط من رتبة الآدمية إلى رتبة الحيوانية التي يقبع فيها الغرب وأذنابه من العلمانيين فضلا عن الملاحدة الماديين، فأولئك أكثر صراحة وشفافية، فقد كفروا ابتداء بكل غيب، فالأمر عندهم منته محسوم!.

والشاهد أن وسطية الإسلام في كل أبواب الدين والدنيا: ثابتة ثبوتا لا نظير له في دين آخر، فبالرغبة، يكون الرجاء والطمع في منزلة أصحاب اليمين، فهي أثر من آثار أوصاف جمال الرب، جل وعلا، فالجنة من رحماته، كما تقدم بيانه، والرحمات المخلوقة من أظهر آثار وصف الرحمة الثابت للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فالرحمة المخلوقة أثر صفة الرحمة غير المخلوقة، وبالرهبة يكون الخوف من الحلول في منزلة أصحاب الشمال، فهي أثر من آثار أوصاف جلال الرب، جل وعلا، فالنار، على الجهة المقابلة، من أظهر آثار وصف الجبروت وشدة العقاب الثابتة للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله.

فـ: أما إن كان من أصحاب اليمين: فجواب ذلك: فسلام لك من أصحاب اليمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير