تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فناب جواب: "أما" عن جواب الشرط، إذ الجواب المذكور كاف في الدلالة على الجواب المحذوف، فهما من جنس واحد، فيكون ذكرهما معا تكرار معيبا، فـ: سلام لك: نكر تعظيما، ففيه معنى الدعاء الذي سوغ الابتداء بالنكرة، وفي تفسير الآية ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله أوجها لطيفة منها:

أن تكون الكاف خطابا لغير معين، على وزان قولك: ناهيك به، أو: حسبك به ..... إلخ، فذلك من خطاب غير المعين مئنة من العموم على وزان قول أبي الطيب:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ******* وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.

فالخطاب لغير معين وإن كان الخطاب في ظاهره باعتبار المواجهة صادرا لمخاطب بعينه يتوجه إليه الكلام أصالة، وعلى ذلك حمل الخطاب في مواضع من التنزيل من قبيل: قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا): فالضمير المستكن في: "خذ" تقديره: "أنت"، وهو باعتبار المواجهة صادر إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المخاطب بالتنزيل أصالة، فخذ من أموالهم أصلا، وليأخذ من جاء بعدك إماما انعقدت له البيعة، فمتعلق التكليف: منصب الإمامة لا منصب النبوة، فتتصور الخلافة في الأول دون الثاني.

فيؤول المعنى إلى: ذلك أمر يسر كل من بلغه، فلهم سلام أجمل ليذهب العقل في تصور كنهه كل مذهب مئنة من عظم قدره ورفعة شأنه، لهم سلام هذا وصفه يسر كل من بلغه، فذلك جار مجرى المثل السائر، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

وإما أن يكون المخاطب هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتكون المسرة خاصة به في هذا الخطاب، فيسره ما ينال أهل الإسلام من الكرامة، فهو من جملة أصحاب اليمين، بل هم السواد الأعظم منهم، كما في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا"، فأمة الإجابة: أعظم أمة تدخل الجنة لعالمية الرسالة التي عم خطابها كافة أجناس البرية، وذلك من رحمة الله، عز وجل، بعباده، أن بعث فيهم رسولا قد عمت دعوته سائر أقطار المعمورة، فلم يختص بها جنس دون جنس، بل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)، فذلك، أيضا، من الخطاب لغير معين، فليس الخطاب عنصريا لأمة بعينها، بل هو عام في أمة الإجابة، فيشمل العربي والعجمي، الأبيض والأسود فـ: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، و: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى".

فيكون ذلك من كمال العناية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلن يخذله ربه، جل وعلا، في أمته، بل سيريه منهم ما تقر به عينه، فقد بلغ ووفى بما عليه، وأثمرت رسالته أجناسا من الصلاح في العلم والعمل ما لا ينكره إلا جاحد، فنبوته قد صارت بإجماع العقلاء المنصفين: علة كل خير في هذا العالم، فأخبارها أصدق الأخبار، وأحكامها أعدل الأحكام، فقد لجأ إلى شريعتها عقلاء العالم لحل المعضلات المعاصرة، فنالهم من بركتها العاجلة ما نالهم، وإن حرموا من بركتها الآجلة لقصور مداركهم وفساد تصورهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير